
لحظات من الترقب عاشتها السلاحف البحرية استعداداً للعودة إلى موطنها الطبيعي، لتنسج في أعماق البحر فصلاً جديداً من قصص البقاء والأمل. تلك اللحظة التي تلامس فيها زعانفها الرمال الدافئة من جديد، لم تكن مجرد نهاية لرحلة علاج وإعادة تأهيل، بل بداية لحياة متجددة في أحضان الطبيعة، وفي مشهد يجسد انتصاراً جديداً للجهود البيئية المستمرة لجميرا، حيث احتفلت باليوم العالمي للسلاحف البحرية بأسلوب مميز، أعادت خلاله 72 سلحفاة إلى موطنها بعد رحلة تأهيل دقيقة وطويلة.

فما الذي جعل هذا الحدث مختلفاً عن الأعوام السابقة؟ وما الإنجازات البيئية غير المسبوقة التي تحققت في مجال حماية الحياة البحرية؟
إطلاق جديد يعيد الحياة إلى البحر
شهدت شواطئ جميرا إطلاق عشرات السلاحف البحرية من نوع صقرية المنقار والسلاحف الخضراء، بعد إعادة تأهيلها ضمن مشروع دبي لإعادة تأهيل السلاحف، وهو مشروع بيئي انطلق عام 2004، ونجح منذ تأسيسه في إعادة أكثر من 2300 سلحفاة إلى بيئتها الطبيعية.

وقد أوضحت باربرا لانج لينتون، مدير الأكواريوم في جميرا برج العرب ورئيس مشروع دبي لإعادة تأهيل السلاحف، أن «هذا المشروع ينفذ بالشراكة مع مكتب دبي لحماية الحياة البرية ومختبر أبحاث الطب البيطري المركزي. تبدأ رحلة إعادة التأهيل داخل مربى الأحياء المائية بفندق جميرا برج العرب، ثم تُنقل السلاحف إلى بحيرة السلاحف في جميرا النسيم، حيث تخضع لرعاية صحية وتعليمية مميزة. يستضيف المشروع برنامجاً تعليمياً يجذب نحو 1700 طالب سنوياً من مختلف مدارس الإمارات، ما يسهم في بناء وعي بيئي مستقبلي لدى الأجيال الجديدة».

جهاز تتبع للاطمئنان على «نجيب»
ومن بين السلاحف التي أُطلقت هذا العام، برزت السلحفاة «نجيب» التي يبلغ وزنها 80 كيلوجراماً، وتم إنقاذها في ديسمبر 2024 بعد إصابات خطرة في زعانفها الأمامية. تم تزويد «نجيب» وسلحفاة أخرى بجهاز تتبع بالأقمار الصناعية، بهدف مراقبة تحركاتهما بعد الإطلاق، وهي تقنية سبق استخدامها في حالة سلحفاة مماثلة وصلت إلى مواقع تعشيش في سلطنة عُمان.

اكتشاف نادر في الخليج العربي
حقق مشروع دبي هذا العام إنجازاً علمياً استثنائياً بإنقاذ سلحفاة صغيرة من نوع السلاحف الضخمة الرأس – وهو نوع غير معروف عنه التعشيش في منطقة الخليج العربي. وقد وصفت الجهات العلمية هذا الاكتشاف بأنه سابقة لم تُسجَّل من قبل، وفقاً لتقارير من الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة وشركائه الإقليميين. هذه السلحفاة لا تزال تحت الرعاية الطبية تمهيداً لإطلاقها خلال الأشهر المقبلة، في تكرار لنجاحات سابقة مثل العثور على أول عش لسلحفاة خضراء في أبوظبي عام 2024.
كما افتتحت حضانة مرجانية جديدة في بحيرة السلاحف داخل جميرا النسيم، بالتعاون مع مؤسسة «أوشن ريفايف»، حيث تم إنتاج أكثر من 1400 قطعة مرجانية، نُقل منها 300 قطعة إلى البحر حتى الآن.

مشاركة الأطفال تعزز مسؤوليتهم تجاه البيئة البحرية
وقد عبر الأطفال المشاركون في الحدث عن شعورهم بالمسؤولية البيئية، حيث قالت سارة، 10 سنوات، «عندما حملتُ السلحفاة الصغيرة بين يدي شعرت بأنني أُعيد شيئاً ثميناً إلى بيته. كانت عيناها تنظران نحوي كأنها تفهم أننا نساعدها. لم أكن أتصور أنني سأكون جزءاً من هذا الحدث، لكن الآن أدركت أن حماية الكائنات البحرية مسؤولية علينا جميعاً. أريد أن أتعلم أكثر عن البحر، وأتمنى أن أصبح عالمة أحياء بحرية في المستقبل».
كما أوضحت إيزابيل «كنت أعتقد أن البحر فقط للسباحة واللعب، لكن بعد مشاركتي في إطلاق السلاحف فهمت أن البحر موطن مخلوقات كثيرة تحتاج إلى رعايتنا. عندما شاهدت السلحفاة تسبح بعيداً شعرت بالفخر، وكأنني قمت بعمل عظيم. الآن لا أرمي أي شيء في البحر، وأحاول أن أشرح لأصدقائي لماذا يجب أن نحافظ عليه نظيفاً».

ويصف ليو، 9 سنوات، مشاركته في إعادة السلاحف إلى حياتها الطبيعية في البحر بأنها من أجمل اللحظات التي عايشها «عندما رأيت السلحفاة تزحف نحو الموج ثم تختفي بين الأمواج تمنّيت لها السلامة وكأنها أصبحت صديقتي. أنا أحب الحيوانات كثيراً، وأشعر بالحزن عندما أسمع أنها تتأذى بسبب التلوث. قررت أن أشارك في كل نشاط بيئي يمكنني المشاركة فيه، لأن الأرض تحتاج إلينا مثلما نحتاج إليها».

من جهتها، قالت سالي، أستاذة جامعية، «حرصت على أن أكون هنا اليوم مع ابني ليشهد لحظة إطلاق السلاحف إلى البحر، لأنها ليست مجرد فعالية بيئية، بل هي درس حي في المسؤولية والحب تجاه الكائنات من حولنا. أؤمن بأن الأطفال عندما يرون مثل هذه المبادرات بأعينهم تترسخ فيهم القيم بشكل أعمق. أتمنى أن تزرع هذه التجربة في قلبه شغفاً يدفعه في المستقبل لاختيار تخصص في العلوم البيئية، ليكون جزءاً من الجهود التي تحمي هذا الكوكب وتعيد الحياة لمخلوقات لا صوت لها، لكنها تستحق أن نسمعها ونحميها».

الوعي البيئي حول العالم
وفي إطار الاحتفال بهذا اليوم، نظمت جميرا فعاليات موازية في عدة وجهات، منها:
- في أبوظبي، شهد منتجع جميرا جزيرة السعديات إطلاق 135 سلحفاة بحرية بالتعاون مع هيئة البيئة.
- في بالي، أُطلقت سلاحف فقست حديثاً، ضمن شراكة بيئية طويلة الأجل، تضمنت كذلك برنامجاً تعليمياً تفاعلياً للتوعية بأهمية حماية التنوع البيولوجي البحري.