سابقاً كان سائداً أن ينطق الفيلم باسم بلد المنشأ فقط. والمنشأ هو حيث يتم تمويل العمل السينمائي. بذلك، وجدنا الفيلم المصري مصرياً لأن الإنتاج مصري، والفيلم الإسباني إسبانياً تبعاً لهوية بلده، وهكذا الأمر بالنسبة إلى معظم الأفلام.
حين يشترك التمويل الخارجي في إنتاج فيلم فهو لا يتعدّى بلداً واحداً: إسبانيا-فرنسا، بريطانيا- الولايات المتحدة، مصر- لبنان وهكذا.
أما اليوم، فإن أغلب ما يُعرض في المهرجانات هو نتاج جماعي مؤلف من دول عدّة. على سبيل المثال فقط، فيلم وولتر سايلس I’m Still Here هو إنتاج برازيلي، أمريكي، بريطاني، فرنسي، هولندي، مشترك. وKill the Jockey إنتاج أرجنتيني، بريطاني، أمريكي، دنماركي، مكسيكي، إسباني، مشترك.
ذهبت أيام كان الإنتاج سِمة بلد واحد. أيام كان يمكن أن تقول بكل ثقة هذا فيلم لبناني، وذلك برتغالي، وذاك إيطالي، أو فرنسي، أو أمريكي، مثلاً.
ليس لأنه لم تكن هناك حاجة للإنتاج المشترك، لكنه لم يكن أبداً بمثل هذا التعدّد، حيث تصر كل شركة تسهم في التمويل على وضع اسمها في مقدّمة الفيلم، فإذا بك تنتقل من اسم شركة إلى غيرها، ثم غيرها، وهكذا، حتى تكتشف أن دقيقتين من الفيلم مرّتا، ولم تشاهد لقطته الأولى بعد.
السبب في ذلك يعود إلى ارتفاع الكلفة. ما كان يُنتج في أيّ بلد أوروبي بخمسة ملايين يورو بلغ ثلاثة أضعاف، هذا إذا ما كان الفيلم عبارة عن حكاية بسيطة، لا تتطلب ديكورات، ومؤثرات، ونجوم مكلفين.
هذا ما دفع عدداً كبيراً من المهرجانات إلى تغييب اسم الدولة التي موّلت في بياناتها وإعلاناتها، لأن ذلك يتطلّب تدقيقاً، ثم مساحة كبيرة عند محاولة ذكر مصادره.
لكن من يحب التدوين، والتسجيل، والتدقيق التاريخي بات هو من عليه صرف الوقت للبحث عن هوية الفيلم، وهي ليست عملية تتم بالقرعة، بل عليها أن تتحرّى من الممّول ذو النسبة الأعلى بين باقي الممّولين، وأين هو البيت الإنتاجي الأول الذي انطلق المشروع منه.
الحل المعتمد من قِبل بعض النقاد إرجاع هوية الفيلم إلى هوية مخرجه، لأنه هو «صانع الفيلم»، وهذا غير صحيح، لأنه ليس الصانع الوحيد أولاً، ولأن هوية الأفلام يجب أن تنتمي إلى المموّل الأكبر.
ما زال ممكناً وجود إنتاجات محلية تماماً، فالسينما المكتفية بأسواقها الداخلية (مثل مصر، والولايات المتحدة، والهند) تستطيع الاتكال على تمويل داخلي بلا ريب، لأن السوق المحلي يشكل لمعظم الأفلام المنتجة الإيراد الأكبر، ولو أننا نأخذ في الاعتبار أن الأفلام الهوليوودية هي التي ما زالت وحدها تنتشر عالمياً.