المهندسة الكيميائية نادية أهلي: الإصرار والعزيمة وقود يدفع نحو التميز

وسط بيئة عمل تحكمها ظروف قاسية، استطاعت، بالإصرار والعزيمة، تحدّي الصعاب لترتقي جنباً إلى جنب مع الرجل، إلى النهوض بصناعة الألمنيوم في الدولة، وتعزيز مكانة الإمارات كقوّة صناعية رائدة على المستوى العالمي، وخامس أكبر دولة منتجة للألمنيوم في العالم.
ومن داخل مصاهر الألمنيوم العملاقة، نلتقي المهندسة الكيميائية نادية أهلي، مديرة إدارة تطوير مشاريع الصهر في شركة الإمارات العالمية للألمنيوم، لتطلعنا على طبيعة عملها، وما يرتبط به من مهام وظيفية تحفّها تحدّيات تقهرها بالعزيمة، والمثابرة:

أصبح للمرأة الإماراتية مكانة بارزة في قيادة مهام خاصة بالصناعات الثقيلة، حدثينا عن سبب اختيارك هذا المجال الشاق.
السبب الأول يرجع إلى رغبة والدي، رحمه الله، وحلمه بأن أصبح مهندسة، إذ كان يردّد دوماً على مسامعي «أرى نادية مهندسة تدير فريقاً كبيراً»، ليتماهى ذلك مع شغفي بدراسة الهندسة الكيميائية. أما السبب الثاني فهو ما تمتاز به بيئة العمل المرتبطة بالصناعات الثقلية، والتي يحكمها التجديد، والتحدي، والبعد عن الروتين،الذي يقتل الطموح والأحلام.
ماذا عن مهام عملك وجهود الشركة في ازدهار ونمو صناعة الألمنيوم في الإمارات؟
أعمل حالياً مدير إدارة تطوير مشاريع الصهر في شركة الإمارات العالمية للألمنيوم، وأقوم بإدارة ثلاثة أقسام رئيسية، هي: قسم تطوير عمليات الصهر الذي يقوم بتطوير التقنيات في الشركة، وقسم تطوير الأنودات، وقسم تطوير بطانة الخلايا، كما أقوم أيضاً بإدارة الأبحاث في المؤتمرات العالمية. وتُعد شركة الإمارات العالمية للألمنيوم، أكبر منتج للألمنيوم عالي الجودة في العالم، وأكبر شركة صناعية في الإمارات خارج قطاع النفط والغاز، إذ تسهم بشكل كبير في دفع عجلة الاقتصاد المحلي في الدولة، فالألمنيوم الذي تنتجه الشركة أحد أبرز صادراتنا بعد النفط والغاز، ويقدر بـ 4% من مجمل الإنتاج العالمي للألمنيوم، أو ما يقرب من نصف الألمنيوم المنتج في دول الخليج، فبعون الله تعالى استطعنا التحول، منذ سبعينيات القرن الماضي، من دولة غير منتجة للألمنيوم، إلى خامس أكبر دولة منتجة له في العالم، والقادم أفضل، بإذن الله.

كنت المرأة الوحيدة في فريق عمل كبير تم تكليفه بمهمة في البحرين لتشغيل أطول خط إنتاج، كيف كانت تلك التجربة وأكثر ما استفدته منها؟
في عام 2016، فازت شركة الإمارات العالمية للألمنيوم بمناقصة عالمية اتّسمت بالمنافسة الشديدة، لتزويد شركة «ألمنيوم البحرين» بتقنية صهر الألمنيوم، لتنفيذ مشروع توسعة خط الإنتاج السادس، باعتبارها أول شركة صناعية إماراتية ترخص تقنياتها الصناعية على المستوى العالمي. وبالفعل، ذهبنا وفريق عملي المكون من 40 مهندساً وفنياً، وكنت المرأة الوحيدة فيه، وبعد مرور 34 شهراً من العمل الجاد، أُعلن الانتهاء من تنفيذ المشروع رسمياً. وعلى الرغم ممّا واجهته في البداية من بعض التحدّيات، لكوني امرأة، إلا أن أحد الأسباب الرئيسية في نجاح المشروع، وأكثر ما استفدته من تلك التجربة هو أهمية اتحاد الفريق على تحقيق الرؤية المنشودة والهدف المطلوب.
أطمح إلى تمهيد الطريق لبنات جيلي لاختراق مجال الهندسة الكيميائية والتميّز فيه
تتطلب مهام عملك في ظروف بيئية صعبة تحمل تحدّيات كثيرة، هل لك أن تصفي لنا كيف تتغلبين عليها؟
بلا شك أواجه، ومن تعيش نفس ظروفي، تحدّيات تتعلق بالبيئة الصناعية القاسية، مثل التعرض لدرجات حرارة عالية، والانبعاثات الكيميائية، إضافة إلى التحدّيات المرتبطة بكوني امرأة في مجال تقني يهيمن عليه الرجال، وإن كنت أتغلب على هذه الصعوبات بالاعتماد على المعرفة التقنية العميقة، والالتزام بإجراءات السلامة لضمان الحماية الشخصية، كما أحرص على بناء علاقات قوية مع زملائي، والعمل بروح الفريق لتعزيز التعاون والتفاهم. وأرى في وجودي كمُهندسة في هذه البيئة فرصة لتعزيز التنوع والإلهام، إذ أطمح إلى تمهيد الطريق لبنات جيلي لاختراق مجال الهندسة الكيميائية والتميّز فيه.

لديك مسيرة ممتدة لنحو 17 عاماً في المجال الكيميائي، ما الذي يميز العمل في بيئة تحفّها الحرارة العالية والانبعاثات الكربونية، وجعلك تستمرين فيها؟
الذي يميز هذه البيئة أنها مملوءة بالتحديات اليومية، من حيث ابتكار التقنيات الحديثة، وتطوير آليات عمليات الصهر للتقليل من الجهد والانبعاثات. أما الدافع إلى الاستمرار فينبع من شغفي بالهندسة، ورغبتي في المساهمة في تطوير العمليات الصناعية لتصبح أكثر أماناً، واستدامة، إضافة إلى ذلك، فإن روح الفريق بيننا، والدعم المتبادل بين الزملاء، يُضفي قوة إضافية لمواجهة الظروف الصعبة. وأرى في هذه البيئة فرصة للنمو المستمر، فكل يوم يحمل فرصة جديدة لتعلم شيء مختلف، وتحقيق أثر إيجابي في تلك الصناعة، والذي ينعكس بدوره على المجتمع.
ما أهم المقومات أو الصفات التي يجب أن تتحلى بها من تريد أن تكون أحد تروس الصناعة الثقيلة؟
للعمل والنجاح في صناعة ثقيلة مثل الألمنيوم، هناك مجموعة من المقومات والصفات الأساسية التي يجب أن تتحلى بها المهندسة الكيميائية الطموحة، منها أن تكون ملمّة بأساسيات الهندسة، والمعرفة التقنية العميقة، والقدرة على التعلم المستمر، لأن هذه الصناعة تتطور باستمرار، ما يتطلب مواكبة أحدث التقنيات، وأفضل الممارسات، كما يجب أن تتحلى بمهارات القيادة، وحلّ المشكلات، لتتمكن من توجيه الفريق واتخاذ قرارات فعالة تحت ضغط، إضافة إلى المرونة في التعامل مع التحدّيات اليومية، سواء كانت ظروف العمل القاسية، أو الضغوط الناتجة عن العمليات الإنتاجية المعقدة، وأخيراً، التحلي بالإصرار والعزيمة للوصول إلى الهدف، لكونهما الوقود الذي يدفع نحو التميز والاستمرارية.

تم اختيارك لجائزة «تطوير القيادات الشابة» في الولايات المتحدة الأمريكية، ماذا يمثل لك هذا الإنجاز؟
تُعد هذه الجائزة مصدر فخر ودعم بالنسبة لي، فقد كنت في بداية مسيرتي العملية، وكنت أقوم بإدارة مشاريع عمليات الصهر ضمن فريق عمل يتكون من 11 شخصاً، والحمد لله، من خلال تطوير مهاراتي القيادية وإدارة المشاريع، أقود حالياً فريق عمل كبيراً، واعتبر ما وصلت إليه قطرة في مشواري المهني.
بعد أن أصبحت الإمارات خامس أكبر دولة منتجة للألمنيوم على مستوى العالم، ما الذي تطمحون إلى الوصول إليه داخل شركتكم؟
نعمل على تطوير وابتكار مستقبل صناعة الألمنيوم، ونطمح إلى تحقيق الريادة في هذا القطاع في ما يتعلق بتطبيقات الثورة الصناعية الرابعة، وتطوير تقنيات الصهر الخاصة بنا، ونحن على ثقة للوصول إلى هدفنا، وجعل الإمارات في أعلى مراتب إنتاج الصناعات الثقيلة.
كونك زوجة وأمّاً، كيف توفقين بين عملك ومتطلبات أسرتك؟
البدايات لا تكون مفروشة بالورود، فهي دائماً ما تكون محاطة بالصعوبات، لكونها مرتبطة بتغيير العادات اليومية، إلا أن الشغف والرغبة في تحقيق الأهداف يسهلان ذلك كثيرا، وأتذكر كيف كانت فكرة سفري إلى دولة البحرين والابتعاد عن أبنائي صعبة، ولكن دعم عائلتي، وتقديرها لطموحي كان له الدور الكبير في نجاحي لأداء مهامي الوظيفية، فقد كنت على تواصل مستمر وتنسيق يومي معهم، وبفضل الله تعالى، أنهيت مهمتي على أكمل وجه، وحافظت على أداء واجبي تجاه أسرتي بالقدر المستطاع، فالسر يكمن في التنظيم، وإدارة الوقت بالشكل الصحيح.
ما الرسائل التي تحرصين على بثها في نفوس أبنائك، وتجعلك فخورة بهم في المستقبل؟
أحرص على غرس قيمة الاعتماد على النفس كي يتمكن أبنائي من اتخاذ قراراتهم بثقة، وأن يتحملوا نتيجة اختياراتهم، حتى لو لم تكن مُرضية في وقتها، فالفشل جزء من رحلة التعلم، وكل تجربة تُعد فرصة للنمو والتطور، ودائماً ما أشجعهم على السعي لتحقيق أحلامهم مهما كانت كبيرة، أو تبدو مستحيلة، وأذكّرهم بأن الإصرار والعمل الجاد هما أقصر الطرق للوصول إلى الهدف، وتحقيق النجاحات.
حدثينا عن الداعمين لك في هذه الحياة، ومن تستمدين منه طاقتك؟
والدي، رحمه الله، كان الداعم الأول لي خلال مراحل دراستي كلها، فهو من شجعني، وحفزني، وأعطاني الثقة والقدرة على شق طريقي في الحياة، بثبات وقوّة، ثم يأتي فضل والدتي التي تعد مصدر طاقتي ووقودي في الحياة، ومن تقاسمني مسؤولياتي، فهي رفيقة دربي في رحلات العمل والمؤتمرات العالمية.

ماذا عن اهتماماتك الخاصة البعيدة عن مجال العمل؟
أحب قضاء وقت فراغي في إعداد وصفات جديدة، وأطباق متنوعة، للعائلة والأصدقاء، فالطبخ بالنسبة لي ليس مجرّد هواية، بل وسيلة ممتعة للتعبير عن الإبداع، كما أستمتع بقراءة القصص، تلك التي تحمل رسائل ملهمة، أو تأخذني بعيداً في رحلة إلى عوالم الخيال.
هل لديك حلم تسعين لتحقيقه وتبذلين من أجله مجهوداً ليرى النور؟
أطمح إلى أن أقود فريقاً متكاملاً من الكوادر الوطنية المتميزة، يعمل على ابتكار تقنيات صهر الألمنيوم لننافس الشركات العالمية من حيث كفاءة الطاقة، وتقليل الجهد، وخفض الانبعاثات، وبما يُعزز من مكانة الإمارات كقوة صناعية رائدة على المستوى العالمي في هذا المجال.