01 يونيو 2025

جديد توم كروز «مهمّة مستحيلة: الحساب الأخير».. منفذ المهام المستحيلة يواجه عدواً غير منظور

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

مجلة كل الأسرة

بوصول الفيلم الثامن والأخير من سلسلة «مهمّة مستحيلة»، وعنوانه الكامل هو: Mission‪: Impossible ‪- The Last Reckoning يتصدّر توم كروز المشهد السينمائي كعادته في هذه السلسلة التي أنجزت حتى الآن 4 مليارات و348 مليوناً و810 آلاف و82 دولاراً

مجلة كل الأسرة

العامل الأول في هذا النجاح الثنائي بين الممثل وسلسلته الأكثر شهرة هذه، والذي يندرج قبل عنصر إتقان لعبة «البزنس» ذاتها، هو عنصر الحركة. معظم ممثلي أفلام الأكشن في الأمس، من أيام جوني ويسمولر في دور طرزان في الأربعينات وما بعده (ستيفن سيغال وجاكي تشان إلى جوناثان ستاثام ومات دامون وسلفستر ستالون وآخرين كثيرين)، اعتمدوا على اللياقة البدنية وخفّة الحركة لتجسيد أدوار القتال والمغامرة بنجاح. لكن لا أحد، في الذاكرة على الأقل، يتقدّم على كروز في تمثيل المشاهد الصعبة والتي تجذب إليها انتباهاً استثنائياً من قِبل المشاهدين كونها مصممة بإتقان ومُمثّلة على هذا النحو.

سواء تدلّى كروز من سقف حجرة مغلقة لسرقة محتويات خزينة (في الجزء الأول)، أو تدلّى من فوق برج خليفة في الجزء الرابع (MI:Ghost Protocol)، أو معلّقاً خارج طائرة ترتفع به كما في الجزء الخامس، (MI:Rogue Nation)، أو متدلياً من طائرة مروحية كما في الفيلم الجديد، هناك تصوير يتميّز بجديّته. كروز يقنعك بأنه يمثّل ما يقوم به، وهو في أفلامه ينجز مشاهد الخطر بنفسه مدركاً أن ذلك يعني الكثير بالنسبة للجمهور الذي يتابع مسلسل مغامراته. يقرّب المسافة بين أنفسهم وبين ما يرونه ويعيشونه خلال الفيلم.ص

مجلة كل الأسرة

بين توم كروز وشون كونيري

آخرون في مهنة الأفلام المشابهة يعتمدون على التكنولوجيا أكثر من اعتمادهم على التفعيل البدني. قارن توم كروز بما كان يقوم به شون كونيري وروجر مور ودانيال كريغ في أفلام جيمس بوند، تجدهم مرتاحون إلى حقيقة أن آخرين سيقومون بتلك المهام، وإلى أن الظروف الصعبة والحاسمة محلولة باعتمادهم على الأدوات التقنية غالباً (سيارات مزوّدة بقدرات متعددة، ساعة تطلق حبالاً... إلخ).

على ذلك، وفي حين نجد أن سلسلة بوند التي عرفناها ستغيب عن الظهور بالشكل والمحتوى لتحل مكانها بدعات من أمازون تسخّر آخر ما وصلت إليه التكنولوجيا، نجد أن سلسلة «مهمّة مستحيلة» وفّرت أصنافاً من الاعتماد على الأفكار والحبكات والمضامين، وتفعيلها في الأفلام على سياق متعادل بين الجهد البشري والقيمة البصرية.

يتصدّى «مهمّة مستحيلة: الحساب الأخير» من هذه السلسلة للواقع الجديد المتمثل في صراع الإنسان من أجل البقاء ضد عدو لم يُرصد له مثيل من قبل وهو الذكاء الاصطناعي.

مجلة كل الأسرة

الذكاء الخطر

القصّة في هذا الجزء الأخير ليست سهلة المتابعة. على المرء أن يقرأ السيناريو بنفسه أو يستحوذ على نص كامل للحكاية التي يدور حولها والتي لا تتعامل مع المغامرة المعهودة لناثان هنت (كروز) كرجل المهام الصعبة (عفواً، المستحيلة!) بل تضعه في مواجهة قدرات الذكاء الاصطناعي التي تهددنا بالدمار النووي. لإيقاف الدمار المحتمل، على هنت وجماعته التعامل مع الرجل الذي يمتلك آلة الذكاء الاصطناعي (اسمها في الفيلم «إنتيتي»)، والذي يشترط بدوره أن يسلّمه هنت مفتاحاً هو بحاجة إليه لتفعيل «السيستم» من دون ضمانات أنه سيعمد إلى التدخل لمنع الكارثة.

فريق عمل الفيلم
فريق عمل الفيلم

لا يخشى الفيلم إظهار ضعف الإنسان وقواه البدنية أمام عدوّه الآلي. بذلك لا يخشى الكاتب والمخرج كريستوفر ماكوايري (الذي حقق الأفلام الأربعة الأخيرة من المسلسل) الذهاب إلى أبعد ما يمكن من تفعيل هذا العنصر، حيث سيعاني هنت التعب والاعتقال والتعذيب والوقوع في مخاطر لم يكن يحسبها. صحيح أن هذه العوامل ظهرت في كل فيلم من السلسلة سابقاً، إلا أنها تستوطن بُعداً جديداً الآن، لأن العدو كامن في هيكل غامض إلكتروني غامض متاح له أن يقضي على الحياة بقرار ذاتي.

مجلة كل الأسرة

مطلع الفيلم رسالة صوتية تحدد هوية الصراع بين الخير والشر. تقول إن حياة كل فرد ليست محددة بأي عمل محدد، بل هي «مجموع خياراتنا»، في ذلك لمحة عن أن حياة إيثن هنت في أفلام السلسلة السابقة هي التي ستقوده إلى مواجهة النهاية المتمثلة في هذا الفيلم كما في السلسلة كلها. وهي أيضاً السقف الأعلى من المضامين الذهنية والفكرية من بين أي سلسلة مماثلة.