26 مايو 2025

لماذا لا تحقق السينما العربية فوزاً كبيراً في «كان»؟

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

مجلة كل الأسرة

من الغرابة بمكان أن فوز السينما العربية الوحيد بالسعفة الذهبية في تاريخ مهرجان «كان»، يعود إلى خمسين سنة مضت، عندما خرج الفيلم الجزائري «وقائع سنوات الجمر» لمحمد لخضر حامينا، بالسعفة الذهبية.

لا قبله، ولا بعده، استطاع فيلم عربي (على كثرة معقولة للأفلام العربية التي عُرضت هناك)، إنجاز هذا الفوز النادر، مرّة أخرى.

ومن المفارقات النادرة أيضاً، أن مهرجان «كان» الأخير عرض نسخة مرمّمة من هذا الفيلم في هذه الدورة الأخيرة للمهرجان الكبير، وهو اليوم ذاته الذي توفي فيه لخضر حامينا.

مجلة كل الأسرة

أفلام مهرجانات

السينما العربية ومهرجان «كان» يعودان إلى الخمسينيات عندما تم عرض أفلام لكمال الشيخ وصلاح أبو سيف، واللبناني جورج نصر. وخلال أكثر من سبعين سنة، تم عرض أفلام أخرى أحياناًً في المسابقة الرسمية، وغالباً خارجها.

هذا العام كانت هناك عدّة أفلام أمّلت الفوز بالسعفة الذهبية للمهرجان، لكن النتائج لم تكن لتحقق هذا الطموح.

الحقيقة أن السينما العربية تعتمد، أكثر من أي وقت مضى، على عرض إنتاجاتها في المهرجانات الدولية. وفي السنوات العشرين الأخيرة، ازداد عدد المعروض منها في «كان»، وفينيسيا، وبرلي، وكارلوفي فاري، ولندن وتورنتو، ولوكارنو، والقائمة طويلة.

السبب الواضح هو الرغبة في تبوؤ نجاح جوهري يستفيد منه الفيلم، ومن فيه، وما يمثّله في دعم المسيرة، وتأسيس المكانة والشهرة الفردية للعاملين فيه. كذلك إبراز دور الدولة التي وُلد فيها مشروع المخرج، حتى لو كان التمويل من الخارج، كما بات الحال غالباً.

هي عملية يمتزج فيها الطموح الفردي بالمؤسساتي، والفني بالتجاري. أفلام مثل «نورة» لتوفيق الزايدي، و«وجدة» لهيفاء المنصور، و«ستموت في العشرين» لأمجد أبو العلا، وأخرى سواها، سارت على هذا الخط الرفيع، وحققت الرواج الجماهيري في الغرب، والنقدي في كل مكان آخر.

الأخوان عرب وطرزان ناصر  مخرجا فيلم
الأخوان عرب وطرزان ناصر مخرجا فيلم "حدث ذات يوم في غزة" الذي فاز بجائزة أفضل إخراج بمسابقة "نظرة ما"

أفلام بلا أسواق

أما السبب الخفي الذي قلّما يشير إليه أحد وراء هذا التوجه، فيعود إلى الرقعة المحدودة للإنتاج العربي في الأسواق العربية. أصبح الفيلم اليوم أكثر كلفة مما كان عليه الوضع سابقاً، ميزانية الفيلم الصغير تقترب عندنا من مليون دولار. والفيلم الكبير يتجاوز هذا الرقم بسهولة. والسوق العربية لا تضمن استعادة كلفة الفيلم الصغير (لأن لا أحد يراه)، ولا الفيلم الكبير (لكون الإنتاجات التجارية محدودة في أسواقها، باستثناء المصرية).

مع هذا الوضع لا يتّجه الإنتاج العربي ليطلب المعونة المالية من الدول الأوروبية فقط، بل يعتمد عليها كفرصة للوصول إلى المهرجانات لا يمكن تفويتها.

هذا العام استقبل مهرجان «كان» أفلاماً عربية متنوّعة المصادر. مجازياً تُسمّى الأفلام المموّلة من الغرب أفلاماً عربية. لكن الواقع هو أن ما هو عربي محدّد بالإخراج، واللغة، والموضوع، وهذا ليس كافياً طالماً أن التمويل الرئيس ليس عربياً. المخرج العربي يجد نفسه بحاجة إلى مظلة دولية حتى ينجز فيلمه، ويعرضه عالمياً في المهرجانات أولاً، ثم في الأسواق إذا ما أُتيح له ذلك، وهو سيتوجه لأي بلد أجنبي يؤمّن له هذا الهدف.

ما عُرض من أفلام في «كان» هذا العام لا يؤكد ما سبق قوله فقط، بل ينتمي أيضاً إلى طروحات متعددة جميعها مهمّة لكن الناتج يتفاوت فنياً.

المخرج العراقي حسن هادي متحدثا بعد فوزه بجائزة الكاميرا الذهبية عن فيلمه
المخرج العراقي حسن هادي متحدثا بعد فوزه بجائزة الكاميرا الذهبية عن فيلمه "كعكة الرئيس"

سياسات

كان طبيعياً أن تتوجه بعض هذه الطروحات صوب السياسة. «كعكة الرئيس» لحسن هادي الذي تم تقديمه باسم العراق والولايات المتحدة (حيث التمويل الفعلي)، يطرح حكاية تقع أحداثها في عراق صدّام حسين. نرى صوراً له وتماثيل وهو حاضر في طول وعرض الحكاية التي تدور حول الفتاة الصغيرة التي يُطلب منها تحضير كعكة بمناسبة عيد ميلاد الرئيس. في الوقت الذي يعيش الناس فوضى تلك الفترة.

كما الفيلم السويدي-الدنماركي- الفنلندي- الفرنسي «نسور الجمهورية» لطارق صالح، هناك عنصر تسوية حسابات عالقة مع النظام العراقي السابق. الفارق أن فيلم صالح ينتقد الحكم الحالي والسُلطات، عوض انتظار رحيلها. «نسور الجمهورية» نظرة خارجية من مكان آمن لحال لا تطاله الرقابة المصرية (على عكس «كعكة الرئيس» المرحّب فيه داخل العراق).

في الفيلم المصري (فعلياً) «عائشة لا تستطيع الطيران بعيداً» لمراد مصطفى الذي يتمحور حول شغّالة سودانية يبدأ الفيلم بها، وهي في القاع، وينتهي وقد باتت تحته. النقد هنا يبقى على أرض اجتماعية بحتة، لا دخل لها بالمؤسسات الرسمية.

لا يحتل الفن في هذه النماذج حضوراً كبيراً. الاختلاف هو في المعالجة، فهي سردية تنتمى إلى «النوع» (Genre) بالنسبة إلى فيلم طارق صالح «نسور الحمهورية»، وسرد حكائي عن «كعكة الرئيس» لحسن هاني. أما «عائشة» لمراد مصطفى فهو محاولة لخلق فيلم فني، لكن النية شيء، والتنفيذ شيء آخر.