25 مايو 2025

ختم دورته بجوائز متعددة وتراجيديا نادرة.. قراءة في أفلام مهرجان «كان» 2025 ونتائجه

فريق كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

بعد 78 سنة حسب عدد دوراته، ما زال مهرجان «كان» السينمائي شاباً. حدث فني، وثقافي، وجماهيري دولي بالغ الأهمية.

لا يخفى أن «كان» العريق (الذي ختم دورته الـ 78 مساء الرابع والعشرين من هذا الشهر)، جمع هذا العام أكبر عدد ممكن من الأفلام الجديرة بالمهرجان، بعضها لمخرجين متمرّسين في المهنة، وذوي نجاحات مطرّدة، أمثال الأمريكيين المستقلين، وس أندرسن، ورتشرد لينكلاتر. الأول يقف وراء فيلم «الخطة الفينيقية» (The Phoenician Scheme)، مع ف. موراي أبراهام، وبينثيو دل تورو، وسكارلت جوهانسن، وويليم دافو، بين آخرين، والثاني يضع نصب أعين لجنة التحكيم فيلماً يحاكي موجة السينما الفرنسية الجديدة، بعنوان Nouvelle Vague، ويدور حولها، وفي البال إلقاء تحية لا على تلك الموجة الستينية فقط، بل على أهم وأشهر مخرجيها وهو جان-لوك غودار.

إلى هذين المخرجين انضم الأخوان البلجيكيان جان-بيير، ولوك داردَن، اللذان سبق لهما الفوز مرّتين بالسعفة، وعادا هذا العام بفيلمهما «بيت الأم الشابّة»، والنرويجي واكيم تراييه («قيمة عاطفية»)، والإيراني جعفر بناهي («كانت حادثة فقط»)، والإيطالي ماريو مارتوني («فيورو») والبرازيلي كليبر مندوزا فيلو («العميل السري»)، والأوكراني سيرغي لوزنتسا (مدّعيان عامّان» (Two Prosecutors). إلى جانب الأمريكيين رايشهارت ولينكلاتر وأندرسن.

هؤلاء هم من بين 22 مخرجاً عالمياً، قدّموا أفلامهم في هذه الدورة، ولو أن الكثير من بينهم ما زال يحاول بناء شهرته، إما لكونه حديث المهنة، وإما فاتته مناسبات سابقة.

مجلة كل الأسرة

سبب وجيه لهذه الأفلام

الواقع هو أن اختلاف الموضوعات التي طرحتها هذه الأفلام لا يخفي أن من بينها أعمالاً ترتفع فيها الرسائل السياسية. فيلم الإيراني جعفر بناهي «حادثة بسيطة»، الذي انتزع السعفة الذهبية في ليلة الدورة الأخيرة، فيلم سياسي، ولو بنكهة كوميدية سوداء.

لكن بقدر ما يحاول المهرجان الفرنسي النأي بنفسه عن السياسة، بقدر ما تتشبّث السياسة به، ولهذا سبب وجيه: «كان» هو الدرّة بين كل مهرجانات العالم. المنصّة العالمية التي لابدّ من طرح مشكلات العالم عليها، أراد المسؤولين ذلك، أو لا.

ليس أن المسؤولين يمانعون بقاء كل صنوف الإعلام نشطة، لكنه رسمياً لا يريد أن يتبنّى وجهة نظر في أيّ شأن. سيعرض أفلاماً تعبّر عن آراء أصحابها، لكنه لن ينحاز إلى أي جهة بحد ذاتها، طبعاً.

شاهدنا أعمالاً سياسية التوجه، أولها كان «ضع روحك على يديك وامشِ» (Put Your Soul on You Hands and Walk). فيلم تسجيلي عن المصوّرة والفنانة فاطمة حسّونة التي قتلت في السادس عشر من الشهر الماضي، عندما دهمت القوّات الإسرائيلية منزلها، وقتلتها مع أفراد أسرتها.

الفيلم الآخر الذي يتطرق إلى السياسة في عقر دارها، هو الملف «137» (Dossier 137) لدومينيك مول. فيلم فرنسي ضد خروج رجال البوليس عن القانون، ومحاولة الهروب من المسؤولية. تقود الفيلم ليا دروكر في دور المحققة في جهاز الـ IGPN، وهو جهاز رسمي مخصّص للتحقيق في تجاوزات البوليس الفرنسي. الفيلم، المقتبس عن كتاب حول أحداث وقعت في عام 2018، يتمحور حول قيام مجموعة من رجال البوليس بإطلاق النار على رأس متظاهر، وتركه طريحاً. شرطي آخر تقدّم منه ورفسه قبل أن تبتعد المجموعة عن مسرح الجريمة. يمضي الفيلم وقتاً قليلاً في الشؤون العائلية للمحققة، إذ إن الفيلم بكامله تقريباً، عبارة عن شريط متتابع من التحقيقات، والمقابلات، والتسجيلات، في محاولة من بطلته إثبات التهمة على أفراد الشرطة.

الفيلم معادٍ للبوليس الفرنسي إذا ما اعتبر نفسه فوق القانون، وهذا يتضح بلقطة أخيرة للشاب الذي تعرّض فعلياً، لإطلاق النار، وهو يشرح ما الذي نتج عن إصابته تلك، إذ لن يستطيع أن يعود إلى سابق حياته، وسيعيش دوماً بآلام في الرأس، وعلل، بدنية ونفسية كثيرة، طوال أيامه المقبلة.

مجلة كل الأسرة

إخراج عربي

بعيداً عن هذا الجانب، قدر الإمكان، لابد من الإشارة إلى حضور لافت للأفلام التي حققها مخرجون عرب. هي ليست أفلاماً عربية، في نظر بعض النقاد، لكون تمويلها غربياً، لكنها تتحدّث العربية، وموضوعاتها عربية كذلك.

كان هناك في المسابقة الرسمية فيلم من إخراج المصري طارق صالح، لكنه إنتاج سويدي- دنماركي، تم تصويره في تركيا، ولو أن موضوع الفيلم، وعنوانه «نسور الجمهورية»، يدور حول قصّة ممثل مشهور (يؤديه فارس فارس)، يُطلب منه تمثيل فيلم دعائي فيتردّد، لكنه ينصاع تحت الضغط.

من إنتاج عراقي - أمريكي شاهدنا «كعكة الرئيس» الذي دار عن آخر سنوات صدام حسين في السّلطة. لا نراه ممثلاً، بل تتجه القصّة التي كتبها المخرج حسن هادي لسرد حكاية فتاة طلبت منها المدرسة تحضير كعكة بمناسبة عيد ميلاد رئيس الجمهورية. الطلب سهل، والتنفيذ صعب، لكن على الفتاة الصغيرة الانصياع. هذا الفيلم فاز بجائزة الكاميرا الذهبية.

وفاز فيلم «كان يا ما كان في غزّة» للفلسطينيين طرزان وعرب ناصر، بجائزة أفضل إخراج في مسابقة «نظرة ما»، وهو دراما تعود أحداثها لعام 2007، ولو أن السعي الحثيث والمتعثر هو ربط أحداث ذلك العام بأحداث غزة الحاضرة، عبر إشارات متناثرة. فيلم جيد إلى حد مقبول، تم تصوير خارج الأراضي الفلسطينية.

مجلة كل الأسرة

نهاية حزينة

أفضل ما شوهد حسب النقاد العالميين، ليس الفيلم الإيراني الفائز بالسعفة (على أهمية موضوعه الذي يتحدّث عن الاعتقالات السياسية)، بل فيلم بعنوان «صراط» لأوليفر لاكس بسبب الرسالة الروحانية التي حملتها قصّة ضياع عدد من الأشخاص في الصحراء المغربية، وجودة تنفيذ الفيلم على كل صعيد.

كذلك كان لافتاً الفيلم الألماني «صوت السقوط» لساشا شيلينسكي، حول تاريخ أربع شخصيات نسائية، في فترات تاريخية مختلفة.

كلا هذين الفيلمين فاز بجائزة لجنة التحكيم، بينما فاز المخرج البرازيلي كليبر مندوزا فيلو، عن فيلمه الجيد أيضاً «العميل السري».

التراجيديا المؤسفة وقعت في اليوم ما قبل الأخير من مهرجان «كان»، إذ توفي المخرج الجزائري محمد لخضر حامينا، وهو المخرج العربي الوحيد الذي فاز بالسعفة الذهبية إلى اليوم، وكان ذلك قبل 50 سنة. الرحيل بذاته مؤسف لفنان صاحب بصمة، لكن الحدث النادر هو أنه توفي في ذات يوم عرض فيلمه مجدداً، في إطار احتفاء المهرجان بمرور نصف قرن على تحقيقه.