الهدايا مرايا.. كيف تعكس الهدية شخصية من يهديها ومن تُهدى إليه؟

قد نشعر بالحيرة عندما نريد اختيار هدية في المناسبات المختلفة، خصوصاً عندما نجهل شخصية من نريد أن نقدم إليه الهدية، فالهدية يجب أن تتناسب مع درجة العلاقة بيننا وبين المتلقي، ومع عمره، ووضعه الاجتماعي، ونوع المناسبة.
وللهدايا تأثير كبير في نفسية المتلقي، لأنها تعكس مدى الاهتمام به وتقديره، كما أنها من الناحية العاطفية تلعب دوراً إيجابياً في مشاعره، وأحاسيسه.
وليس تقديم الهدايا فناً تافهاً، فهو يحمل دلائل اجتماعية ونفسية عدّة... والهدية، كما يوضح علماء النفس، تكشف الكثير من اهتماماتنا، وقيمنا، وعلاقتنا بمن نهديه. فهي شكل من أشكال التواصل الرمزي، يُظهر جزءاً من شخصية المُعطي، ونظرته إلى المتلقي.
إذن، ما فائدة تقديم الهدايا؟ وهل هي تصرّف يرضي الآخرين، أم يرضينا؟ وهل هذا الكرم الذي نظهره في المناسبات العديدة حقيقي، أم مزيف؟ وكيف تعكس الهدايا خياراتنا، وأذواقنا، وسلوكاتنا؟ وماذا لو كانت الهدايا التي نتلقاها، أو نعطيها، قادرة على قول الكثير عن شخصياتنا؟
في الواقع، نحن نقدم الهدايا من ناحية لأننا نريد ذلك، ومن ناحية أخرى، لأن العادات تُلزمنا بها. فنحن نقدم الهدايا لأننا، كما يقول علماء النفس، ملزمون بثلاثة أشياء: العطاء، والأخذ، والتبادل، ففي المناسبات نحن نهدي لأننا نريد إرضاء الشخص الذي نقدم إليه الهدية، وحين نتلقى هدية من شخص ما نسعد بها، وفي الكثير من الحالات نقابل الهدية بهدية أخرى... وإن لم نفعل ذلك، فقد تصبح علاقاتنا هشّة، ومهدّدة بالانقطاع؛ فهل يمكن أن تمرّ ذكرى ميلاد صديق من دون هدية؟ وهل يمكن أن نُدعى إلى حفل عائلي لا نتبادل فيه الهدايا؟ ومن يجرؤ على أن يقول لمن تقدم إليه هدية:«لا، شكراً، لا أريدها!»؟

قل لي ماذا تهدي أقل لك من أنت
هل تعلم أن الهدية التي تقدمها تعكس جانباً كبيراً من شخصيتك؟ نعم، فالهدايا التي نختارها، والطريقة التي نقدمها بها، تكشف في كثير من الأحيان جزءاً من شخصياتنا، وتنقل إلى المتلقي رسائل معبّرة، ذات معنى كبير.

الهدايا تتحدث بلغة الحب
لا يقتصر تقديم الهدايا على قيمتها المادية، بقدر ما يرتبط تقديمها بالفكرة التي تحملها. وينطبق هذا، بشكل خاص، على أولئك الذين يُدركون لغة الحب في الهدايا. وقد شاع هذا المفهوم بفضل مقدم البرامج الأمريكي غاري شابمان، في كتابه «لغات الحب الخمس»، حيث يتحدث عن تقديم الهدايا، أو تلقّيها، كوسيلة للتعبير عن المودّة في العلاقات، خصوصاً بين الأزواج، فهو يرى أن للهدايا لغة تفاعلية، تعبّر عن الحب، والمودّة، وفهم الطرف الآخر.
ولكل شخص لغة الحب الخاصة به، ومعرفة هذه اللغة، وفهمها، يجعلان العلاقات أكثر قوة ومتانة، ولدى بعض الأشخاص لغة لا تنطق إلا بالهدايا التي يجدون فيها وسيلة أساسية لإظهار المودّة، والإحساس بالآخرين. فالهدية حتى لو كانت بسيطة، قد تحمل معنى عظيماً إذا جرى اختيارها بعناية، وعكست فهماً لذوق من نحب، واحتياجاته، ورغباته. فالهدايا البسيطة التي تحمل معنى عميقاً لها ذات القيمة، أو ربما أكثر، من الهدايا الثمينة.

ماذا عن هدايا الأطفال؟
إن نوعية الهدايا التي تقدم للأطفال، وعددها، من أكثر القضايا حساسية، فقد تكون الهدايا مفيدة لنموّهم العاطفي والاجتماعي، لكن ذلك يعتمد على نوعيتها، إذ يُفضل ألّا يعتمد مقدم الهدية في اختياره لها على قيمتها المادية دائماً، كما يفضّل أن تُعبّر الهدية عن مشاعره، وأن تهدف إلى تقوية الروابط، لا سيما بين الوالدين، أو الأشقاء الأكبر سناً. لذا، يجب التركيز على أهمية الهدية من الناحية العاطفية، وعلى الهدف منها، بدلاً من التركيز على قيمتها المادية. كما يجب أن يرتكز الاهتمام على تشجيع الامتنان والتقدير لِلفتة المودّة التي يبديها من يقدّم الهدية، سواء كان من الأقرباء، أو من الغرباء. ومن الأفضل الحد من عدد الهدايا، كي يشعر الطفل بقيمة ما يتلقاه، فالدراسات تبيّن أن كثرة الهدايا تقلّل من قيمتها.
تأثير الهدية في نفس من يقدّمها
الهدية لا تدخل السعادة والسرور في نفس متلقيها فحسب، بل يكون أثرها بالغاً، أيضاً، في نفس من يهديها، فهي تزيد من المحبة والألفة، وحين نهدي أحبّاءنا نسعد قلوبهم فتخلد ذكرى ذلك في نفوسهم. واختيار الهدايا يحتاج إلى تحليل شخصية من نهديه، ومعرفة اهتماماته، واكتشاف هواياته، والاطّلاع على احتياجاته، فينتج عن هذه المتابعة فهم عميق لشخصيته، ومعرفة ما يحب، وما يكره. وعند التوفيق باختيار هدية مثالية لمن نحب نتلقّى رد فعل جميلاً، وامتناناً لوجودنا في حياته، وهذا يشجع على المزيد من العطاء والتقرب ومعرفة التفاصيل، وزيادة الاهتمام، فتصبح الهدية بوابة لعلاقة متينة، لا يهدّدها قلق، ولا ينهيها خلاف.
وفي الختام، يمكن القول إن الالتزام الأخلاقي بالهدايا يختلف باختلاف السياق الاجتماعي والثقافي. فقد تبدو الهدية ضرورية في بعض المناسبات، لأنها تُبرز أهمية العلاقات الاجتماعية، وتعبّر عن المشاعر.
ولا ننسى قول الرسول الكريم، صلّى الله عليه وسلّم «تهادوا تحابوا»، فالهدايا تؤلف بين القلوب، وتزيد المحبة، فمن يقدّم الهدية هو إنسان محب ومخلص، يريد أن تصل مشاعره الصادقة إلى من يحب، وأن يسعده، ويبهج قلبه.