19 مايو 2025

من لقاءات محمد رُضا.. مع رومان بولانسكي في مقهى باريسي

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

مجلة كل الأسرة

راقبت المخرج رومان بولانسكي من على بعد، وارتفاع. كنت واقفاً عند الطبقة العليا من السفينة الشراعية، وكان يقف بعيداً.. لم أحاول الاقتراب منه. لاحقاً في باريس تقابلنا في لقاء طويل، انتهى فجأة.

مجلة كل الأسرة

«قراصنة» كان أحد أفلام رومان بولانسكي الفاشلة، نقدياً وتجارياً. كان كذلك الفيلم الذي قام بإنتاجه التونسي طارق بن عمّار، وصوّره في تونس، وجلب لبطولته وولتر ماتاو، في دور القرصان الذي يخوض مغامرات البحار ضد من يحاول القبض عليه.

كان ذلك سنة 1986. وصلت إلى شاطئ سوسة، واستقبلني، بعد ترتيب مسبّق، يخت سريع لكي أنتقل إلى السفينة المتوقفة على بعد 500 متر عن الشاطئ.

انطلق اليخت الصغير بي بسرعة كبيرة. ولكوني أسبح على بعد أمتار فقط من رمال الشاطئ، جعلني أتخيل أنه لو انقلب هذا اليخت لانضممت إلى الأسماك في قعره.

لكني وصلت بسلام، واستقبلني بن عمّار، وعرّفني إلى المخرج الذي هز رأسه موافقاً، ثم انطلق لتوجيه أوامره للفريق. لذلك قررت أن ابتعد عن طريقه، وصعدت طابقاً علوياً بالقرب من السارية، وشاهدته وهو يتصرف بعصبية. رماني بنظرة سريعة ما جعلني أفكّر في أنني سبب عصبيّته، فكثير من المخرجين لا يحبّون وجود صحفيين خلال التصوير.

بعد أربعة أشهر، أعطاني بن عمّار رقم الاستوديو الذي ينكبّ بولانسكي على توليف فيلمه فيه. لابدّ أنه أخبر المخرج بأن يتوقع مني مكالمة. فوجئت بترحيبه، وأننا سنلتقي في اليوم نفسه، في مقهى في شارع سانك.

وصلنا في وقت متقارب إلى ذلك المقهى، ودعاني إلى تناول الغداء معه. وافقت طبعاً، فهي فرصة لا تعوّض أن نشترك في «خبز وملح»، على طاولة واحدة.

سألني من أين أنا، ولماذا تركت لبنان، وأين أعيش الآن، وكيف تعرّفت إلى بن عمّار. ثم دلف إلى موضوع مهنتي ما حفّزني لأسأله عن نظرته إلى نقاد السينما.. قال:

- يحتاج الإعلام والجمهور إلى من يبدي رأيه في السينما، تماماً كما الحال في كل جوانب الحياة. لكن النقد في كل مكان، على ما أعتقد، هو نظرة شخصية قد لا تكون صائبة دائماً. بل ربما ليست صائبة كثيراً.

• لكنك تحظى باحترام معظم النقاد. العديد من أفلامك حتى الآن (أي حتى 1986) تتميّز ببصمتك الخاصة. لا يمكن نكران ذلك.

- شكراً، لكن حتى عندما يكتب الناقد عن فيلم لي بإعجاب قد يخطئ في أسباب إعجابه.

وافقته على ذلك، وتبادلنا المزيد من الحديث، عني وعنه. أعجبني أنه يريد أن يتعرّف أكثر إليّ، وأنه كان ودوداً ومرحّباً.

هذا استمر نحو ساعة وعشر دقائق، ثم حدث انقلاب. كان يتحدّث لي عن تجربته الأمريكية، Rosemary‪’s Baby ثم سألته عن الفضيحة التي غادر من أجلها الولايات المتحدة واستقر في باريس. جمدت ملامحه وأطرق للحظات، وهو ينظر إلى الأرض تحت قدميه، ثم طلب الحساب وبعد ذلك قال: عليّ أن أعود إلى عملي. وداعاً.

سؤالي كان سبباً في إنهاء مقابلة مفيدة وممتعة، لكن كان عليّ أن أعرف مسبقاً إن هذا الموضوع الوحيد الذي يكره الحديث فيه. تركته يمضي حتى لا يعتقد أني أريد ملاحقته. شاهدته عن بعد مرّة ثانية. اجتاز الطريق لرصيف فندق جورج سانك، والتزمت الرصيف الأيمن عائداً إلى الشانزليزيه.