العالمية الفعلية كلمة مطّاطة، ذات جوانب مختلفة. مهرجان «كان» محفل عالمي بلا ريب، لكن هل كل ما يعرضه من أفلام، عربية أو أجنبية، يصبح تلقائياً عالمياً أو يتحوّل مخرجوها إلى عالميين؟
أليس هناك العديد من صانعي الأفلام الذين دخلوا وخرجوا من مهرجانات أولى، كما لم يكن لهم حضور؟ ماذا عن السوق التجارية؟ ألا يُعتبر العرض التجاري لفيلم عربي ما، فعلاً عالمياً أيضاً؟ ثم، من هو الأكثر «عالمية»: عرض في مهرجان، أو اثنين، أم عروض تسويقية في أوروبا، أو أمريكا؟
إذا كانت العالمية ذات نطاقين، واحد ينتمي إلى المهرجانات، وآخر ينتمي إلى الأسواق، فإن الفيلم العالمي الأمثل هو الذي ينجز نجاحه في النطاقين معاً.
وعلى كثرة الأفلام العربية التي باتت تتوجه للمهرجانات الدولية المختلفة، بات من الطبيعي أن يطرح المعنيون إذا ما كانت السينما العربية أصبحت عالمية. أو إذا ما كان مخرج عربي ما، أصبح عالمياً بعدما قبِل مهرجان كبير (مثل فينيسيا، أو برلين، أو كان) عرض فيلمه في المسابقة، أو خارجها.
البعض مستعد للمصادقة على ذلك، واعتبار أنه بمجرّد دخول فيلم عربي، ومخرجه، مهرجاناً دولياً، أو مناسبة سنوية كالأوسكار، فإن ذلك شهادة بعالميّته.
توفيق الزايدي وسواه
بمراجعة الأفلام العربية من كل الدول المنتجة التي تم عرضها في صرح دولي، أو آخر، منذ مطلع هذا القرن، يصبح لزاماً الاعتراف بأن جهد مخرجي الأفلام العربية لعروض أفلامهم في تلك المحافل أثمر نجاحاً فعلياً. والمهرجانات المذكورة آنفاً، إضافة إلى مهرجانات أساسية أخرى، مثل صندانس، وروتردام، ولندن، وكارلوفي فاري، وبالم سبرينغز، وتورنتو، عرضت في السنوات الـ 22 الأخيرة عدداً من الأفلام لمخرجين عرب من سنوات ما قبل القرن الجاري.
نتحدّث عن أفلام لهيفاء المنصور، ونادين لبكي، ومحمد رشاد، وأبو بكر شوقي، ورشيد مشهراوي، ومريم توزاني، وكوثر بن هنية، وهالى قوصي، وجايلان عوف، ومحمد الدرّاجي، وأمجد الرشيد.. وآخرين. كل واحد من هؤلاء عرض أفلاماً في أكثر من مناسبة دولية، وبعضهم نال جوائز.
وكان لفوز المخرج السعودي توفيق الزايدي بالجائزة الأولى في قسم «نظرة ما»، في مهرجان «كان»، في العام الماضي، أثر إيجابي كبير في الجهة المنتجة (سعودية)، وفي المخرج (سعودي)، وفي نهج مشت عليه بنجاح عدة أفلام سعودية، بدأت بفيلم «وجدة» لهيفاء المنصور (مهرجان فينيسيا، 2012)، وفيلم «بركة يقابل بركة» لمحمود الصبّاغ (برلين، 2016).
الحال ذاته ينطبق على نجاح المخرج المصري محمد دياب، بعرض فيلمه «اشتباك» (كان، 2016)، وفي سنة 2018 قام أبو بكر شوقي بعرض فيلمه «يوم الدين» في المحفل ذاته، مشيراً إلى ولادة مخرج ذي أسلوب عمل لافت.
ناديا لبكي أمّت «كان» في العام نفسه بفيلم «كفرناحوم»، وبدا حينها أن السينما العربية خرجت من المحلية إلى العالمية، بعد سنوات لم يشهد المهرجان الفرنسي أفلاماً عربية في مسابقته، سوى أعمال ليوسف شاهين، وقلّة أخرى، وعلى نحو متباعد.
مخرجات عربيات
هذا حال أفلام ثلاث مخرجات عربيات عُرضت في المهرجانات، ثم أمّت العروض التجارية سريعاً، وحققت أرباحاً.
هؤلاء هن: نادين لبكي (عبر«كفرناحوم»)، وهيفاء المنصور («وجدة»)، وكوثر بن هنية («الرجل الذي باع جلده»). كل من هذه الأفلام باع تذاكر وفيرة في أنحاء أوروبية، وأمريكية، وآسيوية.
هل امتلكت المخرجات الإناث عناصر جذب لم تُتح لسواهن؟ موضوع نادين لبكي عن تعاسة وضع مجتمعي مُزيّن بضربات مبطّنة، وأخرى واضحة، ضد ذلك المجتمع. موضوع هيفاء المنصور كان عن الطموح والأمل، والوضع الصعب الذي عاشته المرأة في زمن سالف. موضوع كوثر بن هنية عن عربي من سوريا قَبِل بصفقة يقوم فيها ببيع ظهره إلى رسّام ليرسم عليه، كما لو كان لوحة.
نجاحات عدّة لمخرجين عرب
لا يسعنا هنا سوى الاعتراف بأن مخرجين عرباً سابقين، مثل مصطفى العقاد، وميشيل خليفي، ورضا الباهي، سبق لهم أن خبروا نجاحات متعدّدة، في العقدين الأخيرين من القرن الماضي. كذلك لابد من القول إن بعض مخرجي اليوم، من الرجال والنساء، شهدوا عرض أفلام لهم في سوق أوروبي، أو اثنين، تبعاً لعروض مسبقة في المهرجانات الكبرى، وأن التيمة المختارة كموضوع تلعب دورها، وبقدر ما تكون جديدة، وبعيدة عن الخطاب المباشر، تتاح لها مضاعفة فرص العروض المختلفة. وجزء من المشكلة، هو أن الأفلام التي تعرض لمآسي وطن ما، وبؤس وضع اجتماعي هنا، أو تبعات حرب هناك، تفقد سريعاً وقودها.