
لُقبت بـ «أمّ الثلاسيميا»، بعد أن حوّلت محنتها إلى منحة قدمت من خلالها الدعم لمصابي هذا المرض، وأُسرهم. وهبَت نفسها ووقتها للتعريف به، والوصول إلى مجتمع خالٍ من الإصابة بمرض الثلاسيميا، أو أنيميا البحر المتوسط.
وتزامناً مع اليوم العالمي للثلاسيميا، الذي يوافق 8 مايو، من كل عام، التقينا خالدة خماس، عضو مجلس الإدارة، أمين السر - المدير التنفيذي بالتطوع في جمعية الإمارات للثلاسيميا، لتروي لنا قصة مرض ابنها الذي جعل منها إحدى المحاربات الملهمات لكثير من الأمّهات اللاتي يعانين بصمت، جرّاء إصابة أبنائهن بالمرض.

لُقبت بـ «أمّ الثلاسيميا»، هل لك أن تصفي الأسباب التي دفعتك للتوعية بهذا المرض، وكيف بدأت رحلتك معه؟
بدأت رحلتي مع «الثلاسيميا» عام 1989، بعد ولادتي أوّل طفل، وعلمت أنه مصاب به. وقتها لم تكن لديّ معلومات كافية عنه، وبدأت الاطلاع والمعرفة كي أساعد صغيري على الشفاء منه، ولرغبتي في تقديم الدعم للمرضى والأهالي، والوقوف بجانبهم، قمت بتأسيس قسم الخدمة الاجتماعية فيلا مركز الثلاسيميا بدبي، عند افتتاحه عام 1995، وتوليت مسؤوليته، واقتربت أكثر من مشاكل المرضى، ومعاناتهم، وزادت ثقتهم بي لمعرفتهم بأنني أمّ لطفل مريض مثلهم، وبعد سنوات من العمل لأجلهم، منحوني لقب «أم الثلاسيميا»، تقديراً وامتناناً لحبي لهم.
حدثينا عن إسهامات جمعية الإمارات للثلاسيميا في التوعية بالمرض.
تقوم الجمعية بدور كبير لنشر الوعي الثقافي والصحي بين أفراد المجتمع، للحدّ من انتشار مرض الثلاسيميا، وتجنب ولادة حالات جديدة مصابة، فالجمعية لا تتوانى في تنظيم الفعاليات والندوات في الدوائر، الحكومية والخاصة، في كل إمارات الدولة، كما يتم تنظيم محاضرات يلقيها طبيب متخصص في الجامعات، ونستهدف أيضاً الطلاب من المرحلة الابتدائية، وحتى الجامعية، من خلال تنظيم مسابقة «ما هي الثلاسيميا؟»، وحملة «لغدي أفحص دمي»، والتي تخترق بها الجمعية المجتمعات الطلابية، وهم فئة هامّة، لكونهم آباء وأمهات المستقبل.
الفحص الطبي المبكر هو الحل الوحيد للوقاية من مرض الثلاسيميا
من خلاصة تجربتك مع ابنك، ما أهم النصائح التي تحرصين على نقلها للأسر التي لديها تاريخ عائلي من الثلاسيميا؟
أهم نصيحة هي القيام بفحص الثلاسيميا قبل الارتباط، فحامل صفة الثلاسيميا إنسان طبيعي لا يعاني شيئاً، ولا يعلم بذلك، وعند الفحص يكتشف الطرفان أنهما حاملان لصفة الثلاسيميا، وحينها من الصعب فك الارتباط، لذلك، فإن الفحص الطبي المبكر هو الحل الوحيد، والعائلات التي لديها مريض بالثلاسيميا عليها الاهتمام به، وعدم إهمال الأدوية الطاردة للحديد، حتى يعيش حياة طبيعية، ويكمل طريقه في الحياة، بخاصة أن الحكومة الرشيدة وفرت أعلى معايير الرعاية الصحية على مستوى العالم.

من خلال وعيك الكامل والشامل بهذا الملف، هل يحق لمريض الثلاسيميا أن ينجب؟
نعم، ولدينا أمثلة كثيرة لأبطالنا الذين تزوّجوا، ورزقوا أبناء بصحة وعافية، ولكن بشرط أن تكون الزوجة سليمة.
قد يخفى على البعض حملهم المرض وتوريثه لأطفالهم، حدثينا عن أهمية فحوصات ما قبل الزواج ودورها في وقف الإصابة به؟
أرى أن الفحص الطبي قبل الزواج هو الوسيلة الأكثر فاعلية للحد من انتشار هذا المرض، وعدم ولادة حالات جديدة مصابة به، وبالفعل، أقرت حكومتنا الرشيدة إلزامية الفحص الطبي قبل الزواج على جميع المواطنين في الدولة، وكان لجمعية الإمارات للثلاسيميا دورها الفاعل مع مؤسسة صندوق الزواج، في إصدار هذا القانون، ولكن يجب أن يكون المقبل على الزواج على وعي تام بأن هذا الفحص يصب في مصلحة أسرته المستقبلية، أي إذا كان الطرفان حاملين لصفة الثلاسيميا يجب أن يكونا على دراية تامة بأن الخطورة تكمن في إتمام الزواج، لذلك فإن الفحص الطبي المبكر قبل الارتباط هو الحل الجذري لعدم ولادة أطفال مصابين.

تولي الدولة اهتماماً كبيراً بملف الثلاسيميا، ما أحدث العلاجات التي تفتح باب أمل لمصابي هذا المرض؟
العلاجات التي توفرها الدولة للمرضى هي الأفضل على مستوى العالم، وتقدم مجاناً للمواطن والمقيم، على الرغم من أنه علاج مكلف، وأيضاً تتكفل الدولة زراعة النخاع خارج الدولة في حل توفر المتبرع المطابق للمريض، وهناك حالات كثيرة قامت بالزراعة، وشفيت.
وكيف أسهمت تلك العلاجات، التي تتوفر بالمجان، في تحسين جودة حياة المرضى؟
اهتمام مراكز الثلاسيميا والعاملين فيها بصحة أبطال الثلاسيميا أسهم كثيراً في تحسين جودة حياتهم، وأصبح لديهم إمكانية للعمل، والزواج، والإنجاب، فمعالجة تداعيات نقل الدم، ووجود الأدوية التي تساعد على إنزال نسبة الحديد، لكونه عدو مريض الثلاسيميا، أسهم كثيراً في حفاظ معظم المرضى على الصحة العامة لأجسامهم.
هل تُعد تقنية زراعة النخاع العظمي حلاً جذرياً ونهائياً للعلاج؟
الأمل دائماً موجود بإيماننا بالله تعالى، وزراعة النخاع تُعد العلاج الشافي، بشرط وجود المتبرع من أحد أفراد العائلة المطابق للمريض بنسبة 100%، ولكن الزراعة أيضاً لها مخاطرها، ومضاعفاتها، وفي النهاية، التوكل على الله والتوفيق من عنده، وهناك عدد كبير من المرضى ممن أجروا الزراعة، والحمد لله، يعيشون حياة طبيعية بعد أن أنعم الله عليهم بالشفاء.

تم تكريمك وشريك حياتك ضمن الفائزين بمبادرة أوائل الإمارات، بصفتكما أول زوجين أسهما في تأسيس جمعية للثلاسيميا، ما تأثير هذا التكريم بخاصة أنه وُلد من مخاض تجربة شخصية؟
يعتبر هذا التكريم فخراً لنا، ووساماً على صدورنا، لشعورنا بأن القيادة الرشيدة تتابع كل متطوع، ما زادنا قوة، وصبراً، ومثابرة، وإرادة، وجعلنا نمضي قدماً لنكمل طريقنا الصعب كمتطوعين لأكثر من 27 عاماً منذ تأسيس الجمعية، وحتى من قبل التأسيس.
بمناسبة الحديث عن الزوج، كيف يسهم دعم شريك الحياة في تخطّي مرحلة اكتشاف إصابة أحد الأبناء بهذا المرض؟
لو لم يكن شريك الحياة متفهماً ومتعاوناً لما استطعت تخطي الصعاب في الوقت الذي لم يكن المرض معروفاً، إذ تحمّلنا معاً، مسؤولية علاج ابننا، والعمل على تخفيف آلامه، بجانب العمل على مساعدة المرضى، لكون معاناتنا واحدة.

هل هناك آخرون قدّموا لك الدعم في هذا المشوار؟
عائلتي لها دور كبير في هذا الدعم، والتشجيع على العمل التطوعي، ومقولة أبي، رحمه الله، دائماً أتذكّرها «إن كنت قادرة على العطاء ومساعدة الآخرين لتخفيف معاناتهم بأية وسيلة، فلا تتردّدي»، فقد كان يشجعني على عمل الخير، وتسهيل حياة الآخرين من حولي، لما لهذا كله من وقع طيّب عليّ.
ما الحلم الذي يراودك دائما وتسعين للوصول إليه؟
حلمي أن يستمر عطائي لدعم وخدمة أبنائي وبناتي مرضى الثلاسيميا، لأنني أشعر بأن الله أعطاني الطاقة، واختارني لأكون دائماً معهم، وأن تكون الإمارات دائماً سباقة في الحد من ولادات جديدة مصابة بالثلاسيميا، حتى نصل إلى صفر حالات مصابة.

ما الذي تأملين تحقيقه على أرض الواقع في ملف مرض الثلاسيميا؟
أتمنى من الله تعالى أن يمنّ بالشفاء على أبطال الثلاسيميا، ولمن قاموا بزراعة النخاع، وأتمنى لهم السعادة، وأن يكونوا أفراداً منتجين في المجتمع، وأن يحموا أنفسهم من مضاعفات المرض.