تزداد حركة السينما العربية باتجاه قضايا نسوية مهمّة على الصعيدين، الشخصي والمجتمعي. فمنذ سنوات غير قريبة، والسينما العربية تطرق هذا الباب موفرة نماذج، ومسبّبات، ونتائج.
«عايشة» فيلم تونسي من إخراج مهدي م. برصاوي، يدور حول المرأة الشابة التي ادّعت موتها لعلها تجد حياة أفضل.
يُقدم سيناريو البرصاوي حالة بطلته آية (فاطمة سفار) العائلية. شابّة تعمل منظّفة غرف في فندق، تستقل للذهاب إليه والعودة منه حافلة الشركة. في البيت تجد نفسها محمّلة بالمتطلّبات، وتواجه والدتها التي تريدها أن تتزوّج ممن لا تحب. بعد ربع ساعة، أو نحوها، يمر كلب أمام الحافلة المنطلقة. يحاول السائق تجنب دهسه لكن الحافلة تهوي بجميع من فيها، إلى الوادي. الناجي الوحيد هو آية التي تستغل المناسبة لتتقمّص حياة جديدة، لكون لا دليل على أنها ما زالت على قيد الحياة.
تنتقل إلى المدينة للعمل فيها، ولكنها تجد نفسها في صراعات جديدة. بلا هوية. تخشى القبض عليها لأي سبب. هناك من يحاول مساعدتها بعد أن أدرك هويّتها الحقيقية. كان يمكن للسيناريو إيجاد أحداث أكثر اختلافاً عن خياراته ترفع من شأن الحكاية. «عايشة» (والعنوان يحمل سخرية ملحوظة)، يدور عن المرأة في الأوضاع المتأزمة التي لا تنتهي. الهوية الجديدة لآية مناسبة سانحة لبداية جديدة، لولا أنه من الصعب الخروج من الماضي. المشهد الذي يكتشف فيه والداها أنها ما زالت على قيد الحياة فيه ضعف تنفيذ. رغم كل هذا، فيلم جيد في تنفيذه، وتؤديه الممثلة سفار جيداً.
هذا فيلم لبناني من تحقيق سارة فرنسيس، التي تعرض لحياة زوجين يحاولان- ربما- البحث عن وسيلة لاستئناف حياة باردة.
العالم الذي تشيّده المخرجة سارة فرنسيس صغير المساحة، شاسع الإيحاء. المنزل. المطعم.. السيارة ..
ولا شيء آخر .
زوجان (شيرين كرامة، ونداء واكيم) في بعض جبال لبنان خلال زيارة الزوج بعد غياب سنوات في إفريقيا. حضور زوجها لا يبدّد وحدتها خلال الأيام القليلة التي تدور فيها الأحداث.
عودة الزوج لا تحل مشكلات قائمة. لا هي رحّبت، ولا هو يبدو سعيداً. حين يتحدّث كل منهما إلى الآخر فإن المرأة هي التي تبدو كما لو كانت فعلاً تريد التواصل من جديد. أما هو فيميل للكتمان. وحين تطرح الأسئلة عليه فإن جوابه ليس شافياً.
لا يفتح الحوار بينهما نافذة تطوير، ولا الخروج من المنزل ذات مرة يحل العقدة. في أداء نداء واكيم تناسب مع الشخصية الواجمة التي تبدو مغلّفة بحب النفي. وجهه صعب القراءة. لكن شيرين كرامة هي التي يمكن التعاطف معها، وفهم قضيّتها، وتأييدها.
فيلم سارة فرنسيس ساكن كعنوانه. ثري بالتفاصيل الصغيرة. شريط الصوت مُعتنى به جيداً كذلك، يُثير الإعجاب توقيت الحوار، والحركة، وتأطير اللقطات (تصوير مارك خليفة) لدقّته. التعليق الصوتي يأتي في الأوقات الصحيحة. يُدلي ولا يزيد، رائع في كلماته. نصف الساعة الأخيرة كانت تستطيع التوسع قليلاً، حتى يخرج من ممر الحكاية الضيّق.
هذا الفيلم هو جديد المخرج المغربي نبيل عيوش، الذي كانت له سوابق في تحقيق أفلام من بطولة نساء (بينها، على سبيل المثال «كل ما تريده لولا»، و«رازيا»).
يضع المخرج المغربي نبيل عيوش العربة أمام الحصان في فيلمه «الجميع يحب توده». مشهد الافتتاح هو لتوده (نسرين الراضي)، وهي تغني في حفل صغير مع عازفين، وجمهور محدود. ما إن تنتهي ننتقل إليها وهي تقاوم اعتداء رجال ممّن أمّوا الحفل. بذلك يسارع المخرج (وكاتبة السيناريو مريم توزاني) إلى تقديم حالة مجسّدة تبدأ وتنتهي بهذا الجزء، طالما أن لا شيء يُذكر سيعود إلى هذه الحادثة لاحقاً.
بكلمات أخرى، لو انتهى مشهد الغناء الشجي من دون الانتقال إلى مشهد الاغتصاب، لما ترك ذلك أي اختلاف، طالما أن الفيلم، ومحوره توده، يسبر غور طموحاتها، وفنها بعدما انتقلت إلى مراكش. توده لديها ولد أبكم تربّيه من دون زوج، وحلم يراودها من دون تردّد. إنها تريد أن تصبح من مغنيات الفولكلور المغربي المعروف بـ «الغيطة»، ومن أجل ذلك تخوض ظروفاً تتقدّم بها، وتتراجع، يعتمد ذلك على اختيارات الفيلم من الأحداث. حقيقة أن الفيلم يدور حولها بكل ما لديه من رغبة في تعزيز شخصيّتها، ووضعها في صميم معالجته فعل جيد. عيوش كان وجه اهتمامه إلى المغنيات ذوات الأحلام الممكنة، حتى لو كان الوصول إلى تحقيقها صعباً، كما في «كل ما تريده لولا» (2007). كذلك اهتمامه بمغنيات الفولكلور المغربي يعود إلى حين قدّم «يا خيل الله» (2012)، و«رازيا» (2017).
المشكلة هي أن المخرج إذ يطلب من المشاهدين تأييد بطلته في أحلامها، ومساعيها، وشخصيّتها المتمرّدة، لا يفعل الكثير في النواحي الدرامية، متّكلاً على حسن غنائها، وحيوية الغناء، والموسيقى فقط. فيما عدا ذلك، هناك سرد اعتيادي للمواقف والحوارات تفصل بين الأغاني، والرقصات.