29 أبريل 2025

من عصرها الصامت إلى اليوم.. أفلام الرعب الكلاسيكية كانت تحمل رموزاً سياسية

ناقد ومؤرخ سينمائي، وُلد وترعرع في بيروت، لبنان ثم هاجر إلى الغرب حيث ما زال يعيش إلى الآن معتبراً السينما فضاء واسعاً للشغف

مجلة كل الأسرة

أفلام الرعب ليست نوعاً واحداً. إنها سينما تخويف من أشياء منظورة، وغير منظورة، من وحوش، وبشر، ومخلوقات فضائية. وهناك ما يعتمد التخويف المباشر، أو غير المباشر، وكثير منها يحمل رموزاً سياسية.

مجلة كل الأسرة

  خرجت ألمانيا من الحرب العالمية الأولى (1912-1918) مهزومة، وغير مستقرة اقتصادياً، ومنقسمة سياسياً، عندما قام بعض مخرجيها بتحقيق أفلام تعبيرية. من هؤلاء روبرت واين، وفردريك مورناو، وفريتز لانغ. واستخدمت هذه الأفلام الرمز، والاختلاف في الأساليب البصرية، لكي تعكس شعورها حول واقع ومستقبل غير واضحَي المعالم. من بينها «كابينة دكتور كاليغاري» The Cabinet of Dr. Caligari، لروبرت واين (1920)، و«نوسفيراتو» Nosferatu: A Symphony of Horror لفرديك مورناو (1922)، و- إلى حد ما- فيلم M لفريتز لانغ (1931)، توريات لوضع قلق عصف بالمدة الفاصلة بين الحربين، الأولى والثانية، وشهد نشوءَ، ثم دخول ألمانيا عصرها النازي.

مجلة كل الأسرة

رعب في الأجواء

بعد تلك المرحلة ارتفع المدّ السياسي في السينما الأمريكية، وانحسر عملياً عن تلك الأوروبية، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية سنة 1946.

جرى ذلك سريعاً من بعد تغيّرت العلاقة بين حليفَي الأمس، الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، من صداقة إلى عداوة، بسبب ازدياد نشاط اليسار في أمريكا، ما دفع باتجاه قيام المكارثية، ومحاكماتها الشهيرة لاستئصال «الخطر الأحمر». واكبت هوليوود ذلك بسلسلة أفلام تقصّ حكايات رعب في إطار نوع الخيال العلمي شكلاً، وتنطوي على تصوير معاداة الشيوعية ضمناً.

هذا كان شأن أفلام مثل Invaders from Mars («غزاة من المريخ»، 1951)، لوليام كاميرون مانديز، وIt Came from Outer Space («جاء من الفضاء الخارجي»، 1953)، لجاك أرنولد، وWar of the Worlds («حرب العالمين»، 1953)، لبريون هسكِن.

في المدة ذاتها، وخلال الستينيات، ازداد الاهتمام بالرعب الكلاسيكي في أفلام تدور حول دراكولا والرجل- الذئب، والدكتور جيكل ومستر هايد. كانت أفلاماً لا لون سياسياً لها، لكنها كانت فاعلة في ميدان هذا النوع، وأثمرت عن نجاح عدد من الممثلين الذين التزموا بهذا النوع من الأفلام لمدة طويلة، وفي مقدّمتهم كريستوفر لي، الذي مثّل شخصية دراكولا مرّات عدّة.

مجلة كل الأسرة

في مكان منعزل

ما إن توارت تلك الموجة حتى برزت موجة أخرى معادية للحرب الأمريكية في فيتنام. في «مذبحة تكساس المنشارية» (The Texas Chain Saw Massacre)، لتوبي هوبر (1974)، اقتراح بأن أشرار الصحراء المعزولة عن المدن يفتكون بالأبرياء الذين يجدون أنفسهم تائهين، ومنقطعين في اللامكان الموحش. الحبكة ذاتها تضمّنها فيلم «الهضاب لها أعين» (Hills Have Eyes)، لوس غرافن (1977) وقبلهما فيلم جورج أ. روميرو الممتاز The Night of the Living Dead («ليلة الموتى الأحياء» (1968)‪.

القراءة هنا ليست غامضة: في ربوع أمريكا هناك حالة انقلاب ناتجة عن انعدام رؤية واضحة لأمريكا بين ماضيها المضطرب، وحاضرها المتأزم.

على عكس الموجة السابقة التي تبدّت في الخمسينيات، العدو هنا ليس خطراً آتياً من الخارج، بل هو وليد الوضع الداخلي. هذا عبّر عنه أيضاً المخرج جوردان بيل في Get Out سنة 2017.

مجلة كل الأسرة

إنهم أحياء

طوال عقود ما قبل الألفية الثانية خرجت أفلام حدّدت العدو الداخلي، على نحو أوضح. في «تمساح» (Alligator) للويس تيغ (1980)، حكاية مرعبة (كتبها جون سايلس، وهو مخرج جيد بدوره)، حول تمساح يعيش في مجاري المدينة، ملتهماً ما تصل إليه فكّاه. بعد حين يزداد شرهه، ويبدأ بالانقضاض على البشر. ويتحول التمساح سريعاً إلى الوحش الذي سيدمّر النخبة السياسية والاقتصادية الفاسدة، كما يشي الفصل الأخير من المشاهد.

مجلة كل الأسرة

جون كاربنتر بدوره اسم مهم في سينما الرعب، ومفاداتها. من بين أفلامه الأكثر بروزاً في هذا المضمار They Live («أحياء»، 1988)، الذي يوفر حكاية دالّة حول رجل لا عمل له يلجأ إلى العيش في مجمّع من الطبقة ذاتها. لكن هذا الرجل يكتشف نظارات إذا ما وضعها على عينيه استطاع التفريق بين المخلوقات البشرية، وتلك غير البشرية التي تبدو آدمية من غير نظارات، ما يجعل الفيلم نموذجاً للتحذير من أن العدو (عسكراً ورجال سُلطة)، يكمن في داخل أمريكا وليس خارجها.