صدق المثل الذي يقول إن البنت تكبر لتصبح مثل أمّها، فهو يعكس الاعتقاد السائد بأن الابنة تشبه أمها ليس في الصفات الوراثية والسلوكات فقط، بل في تصرفاتها، وطريقة تفكيرها، وتعاملها مع الحياة، لأن الأمر مزيج بين الوراثة، والتربية، والتأثير العاطفي والنفسي الذي تتركه الأم في ابنتها من ناحية كونها النموذج الأول الذي تتعلم منه الابنة كيف تكون امرأة، والقدوة التي تكتسب منها الابنة عاداتها، لا شعورياً.
ويحكي المثل قصة المرأة التي كانت لا تعود إلى المنزل إلّا وقد فقدت كل الماء الذي جمعته، بسبب تعثرها في طريق عودتها، فتضطر للعودة إلى النبع لتملأ جرّتها من جديد، وتعود متأخرة لتتلقاها والدة زوجها، تعيّرها، وتسخر من حماقتها. وفي أحد الأيام قرّرت والدة الزوج أن تعلّم الزوجة درساً، فطلبت من حفيدتها الذهاب إلى النبع، وملء الجرّة بالماء، والعودة بسرعة، لكن الفتاة وعند عودتها تعثرت في نفس المكان الذي تتعثر فيه أمّها يومياً، فانكسرت جرّتها، وفقدت الماء، وعادت إلى منزلها باكية لتتلقاها الجدّة نادبة حظها قائلة «طبّ الجرة على فمها تطلع البنت لأمها»!
وتبدأ عملية التشابه منذ الطفولة، ليس بتأثير العوامل الوراثية فقط، ولكن من خلال البيئة والتربية، ما يعني أن الابنة ليست مجرّد نسخة مطابقة لأمّها، بل هي مزيج بين تأثير الأم، وظروف حياتها الشخصية التي قد تضيف، أو تعدّل بعض الصفات فيها، فترث الابنة بعض السمات الشخصية، مثل الصبر، والعصبية، و الذكاء الاجتماعي، أو حتى طريقة التفكير، واتخاذ القرارات، لأنها تراقب أمّها في تفاصيل حياتها اليومية لاشعورياً، وجميعها تنطبع في ذهن الابنة تلقائياً.
وتميل الفتيات إلى تقليد طريقة اللباس والتحدث، وحتى بعض العادات المنزلية، لتصبح مع الوقت جزءاً من شخصية الابنة، بخاصة إذا كانت علاقتها مع أمّها قوية، ومبنية على الحب والتفاهم، لكن التربية تلعب دوراً محورياً في تشكيل شخصية الابنة، فهي تعتمد في الكثير من تصرفاتها، وقيمها، على المبادئ التي غرستها الأمّ فيها، ومن المرجح أن تتبنى هذه القيم في حياتها المستقبلية.
من جهة أخرى، تزرع بعض الأمّهات في بناتهنّ عادات محدّدة، مثل الاهتمام بالبيت، أو حتى أسلوب معين في التعامل مع الناس، ورغم التشابه الكبير بين الأمّهات وبناتهنّ، إلا أن بعض الفتيات يرغبن في الابتعاد عن تأثير أمهاتهنّ، ويحاولن بناء شخصية مختلفة، أو حتى معاكسة تماماً للأم المتسلطة، والصارمة.
ولكن، مع مرور الوقت تكتشف الكثير من الفتيات أنهنّ يشبهن أمهاتهنّ أكثر ممّا كن يعتقدن، بخاصة عندما يكبرن، ويصبحن أمّهات بدورهن، ففي لحظات معينة تجد المرأة نفسها تكرر جملاً، أو تصرفات كانت أمّها تفعلها، من دون أن تنتبه لذلك.
وفي الواقع، لا يمكن إنكار أن الأم تترك بصمة عميقة في شخصية ابنتها، سواء أدركت الابنة ذلك مبكراً، أو لاحقاً في حياتها، وقد تصبح نسخة مطابقة لها، أو تحمل بعضاً من صفاتها، مع إضافة لمستها الخاصة.
وبغضّ النظر عن مدى التشابه بينهما، يبقى تأثير الأمّ في حياة الابنة حاضراً أكثر في قراراتها وطموحاتها، وحتى في طريقة تعاملها مع العالم من حولها.