الدكتورة فاطمة طاهر: أطمح إلى إنشاء مراكز بحثية متخصصة في الذكاء الاصطناعي الطبي

لم تكتف الدكتورة فاطمة طاهر بوضع بصمتها في مجال البحث العلمي بابتكار نظام الكشف المبكر عن سرطان الرئة، بل رفعت راية التميّز الإماراتي على الساحة العالمية من خلال أبحاثها الرائدة، واضعة الذكاء الاصطناعي في خدمة البشرية، لتسطّر قصة نجاح ملهمة تمكنت من خلالها أن تحقق التوازن المثالي بين طموحها الأكاديمي، ودورها كأم لخمسة أبناء، في معادلة صعبة لا تتقنها سوى النساء الملهمات.

في حوارنا مع الدكتورة فاطمة، أستاذ قسم الحوسبة والتكنولوجيا التطبيقية في جامعة زايد، نقترب أكثر من العالِمة والأم والمبتكرة، لنتعرف إلى رؤيتها لمستقبل الذكاء الاصطناعي في الطب، وكيف استطاعت أن تجعل العلم رسالة، والابتكار أداة لصنع الأمل:

بداية، ماذا تحدثينا عن نظام الكشف المبكر لسرطان الرئة الذي عملت على تطويره، ومدى مساهمته في تقليل معدل الوفيات الناجمة عن هذا المرض؟
لكون سرطان الرئة من أكثر أنواع مرض السرطان خطورة في العالم، ونسبة الشفاء منه جداً ضئيلة، إذا ما تم اكتشافه متأخراً، مقارنة بنسبة اكتشافه في وقت مبكر، قمت بتطوير نظام لمساعدة الأطباء على تشخيص المرض مبكراً، بناء على تحليل صور اللعاب باستخدام الذكاء الاصطناعي، والكشف عن الخلايا السرطانية، وتحديد مراحله، هل هو في البداية، أم في المرحلة المتوسطة أم مرحلة متقدمة، فيحصل المريض على أمل جديد في الحياة.
ما المراحل التي مررت بها أثناء تصميم هذا النظام، وما الذي يميّزه عن غيره من الأنظمة الطبية المشابهة؟
أثناء تطوير النظام، بدأت بتحديد المشكلة الأساسية التي يواجهها الأطباء عند تحليل صور الخلايا المأخوذة من اللعاب تحت المجهر. في النظام التقليدي يتم توصيل المجهر بكاميرا مدمجة تنقل الصور إلى شاشة الحاسوب، ما يستدعي أن يقوم الطبيب بفحص الصور يدوياً، لتحديد ما إذا كانت الخلايا مصابة بسرطان الرئة، أو لا، وهي عملية تستغرق وقتاً وجهداً كبيرين، لذلك، كان هدفي الأساسي هو تطوير وظيفة الحاسوب ليصبح أداة مساعدة للطبيب، بحيث يسهم في تسريع عملية التشخيص، وجعلها أكثر دقة. يتميّز النظام الذي صممته بقدرته على تحليل الصور بسرعة وكفاءة، ما يقلل من الجهد المبذول، ويزيد من دقة النتائج، ما يجعله يتفوق على الأنظمة التقليدية التي تقتصر على عرض الصور فقط، من دون تقديم دعم تحليلي للطبيب.

ما الأهمية التي تحققت من نشر أبحاثك في مجلات علمية عالمية.. وكيف أسهم ذلك في تعزيز مكانة البحث العلمي الإماراتي؟
يُعد نشر الأبحاث العلمية في المجلات العالمية عاملًا رئيسياً، وهامّاً في تعزيز مكانة البحث العلمي الإماراتي، فهو يضع الإمارات على خريطة البحث العلمي العالمية، ويرفع جودة الأبحاث وفق معايير مرموقة، ويعزز التعاون مع المؤسسات البحثية العالمية، ما يفتح آفاقاً جديدة للابتكار، كما يسهم في تبادل المعرفة وتطوير العلوم والتكنولوجيا. ويعكس بالتالي، التقدم والاحترافية في المجال الأكاديمي الإماراتي.
تساعد أنظمة الذكاء الاصطناعي الأطباء على اتخاذ القرارات الطبية وتطوير علاجات مخصصة ومتابعة المرضى عن بعد
كيف ترين مستقبل استخدام الذكاء الاصطناعي في تحليل الصور الطبية والرعاية الصحية بشكل عام؟
يمثل الذكاء الاصطناعي مستقبلاً واعداً في تحليل الصور الطبية، والرعاية الصحية، حيث يعزز من دقة التشخيص، وسرعته، ويسهم في الكشف المبكر عن الأمراض، ما يقلل الأخطاء البشرية، ويوفر الوقت والموارد، على سبيل المثال، يمكن لتقنيات التعلّم العميق اكتشاف الأمراض في مراحلها المبكرة بدقة عالية، بينما تساعد أنظمة الذكاء الاصطناعي الأطباء على اتخاذ القرارات الطبية، وتطوير علاجات مخصصة، ومتابعة المرضى عن بعد، ومع استمرار التطور التكنولوجي، سيكون للذكاء الاصطناعي دور أكبر في خفض التكاليف، وتحسين جودة الخدمات الصحية.
هل لكِ أن تصفي لنا رحلتك نحو الحصول على درجة البروفيسور في الذكاء الاصطناعي؟
كانت رحلة مملوءة بالتحديات والفرص، حيث بدأ شغفي بالمجال من خلال مشاريع بحثية مبتكرة في تحليل البيانات الذكية، وواجهت خلال دراستي تحدّيات عدّة، مثل التطور السريع للتقنيات التي شكلت دافعاً كبيراً بالنسبة لي للتعلّم المستمر، والابتكار. لا أنكر أن حصولي على درجة البروفيسور لم يكن مجرد إنجاز شخصي، بل هو نتيجة دعم الأساتذة والزملاء، إضافة إلى مساندة الأسرة، والقيادة الرشيدة التي وفرت كل سبل التعلم، بخاصة للمرأة الإماراتية، وأنا متحمّسة للاستمرار في هذا المجال، والإسهام في تطوير حلول مبتكرة تخدم المجتمع، وتدفع العلم نحو آفاق جديدة.
ماذا يعني لك تكريمك كمبتكرة لنظام الكشف المبكر عن سرطان الرئة، وكيف أثرت الجوائز في مسيرتك العلمية والمهنية؟
حصولي على التكريم عنى لي الكثير، فهو لا يتوقف عند كونه تقديراً لجهودي الشخصية، بل هو أيضاً شهادة على التزامي بتحسين الرعاية الصحية من خلال الابتكار، ومصدر فخر لي، ولعائلتي، ولبلادي الإمارات العربية المتحدة، هذه الجوائز كانت دافعاً كبيراً للاستمرار في مجال البحث والتطوير، وفتحت لي أبواباً جديدة للتعاون مع مؤسسات، محلية ودولية، كما عززت من ثقتي بقدرتي على إحداث تأثير إيجابي في مجالات الابتكار والتكنولوجيا، لخدمة المجتمع.

ما أبرز اللحظات التي شعرتِ فيها بالفخر خلال مسيرتك المهنية؟
في محطات مختلفة في مسيرتي شعرت بالفخر، كان من أهمها حصولي، كإحدى النساء القلائل في الإمارات والعالم، على درجة الأستاذية (فل بروفيسور) في الذكاء الاصطناعي، وتكريمي كإماراتية مبتكرة لنظام الكشف المبكر عن سرطان الرئة. كما شكّل نيلي جائزة أوائل الإمارات، والتكريم من قبل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، وجائزة اليونيسكو لوريال للمرأة العربية في العلوم، لحظات استثنائية في مسيرتي، لكن أكثر ما أسعدني هو فخر أطفالي بإنجازاتي، وشعوري بأنني غرست فيهم حب العلم، والابتكار.
لكونك أمّاً لخمسة أبناء، كيف نجحتِ في تحقيق هذا التوازن بين حياتك الأسرية والعملية؟
شكّل العمل تحدّياً كبيراً لي، كأم وامرأة عاملة، لكنني في الوقت نفسه، كنت أراه مصدراً من مصادر قوتي، لتحقيق التوازن بين حياتي الأسرية والعملية، كان من الضروري أن أكون منظّمة للغاية، وأحدّد أولويّاتي بشكل مستمر. وحرصت بشكل دائم على تخصيص وقت لعائلتي أولاً، ثم عملي، وكانت المرونة مفتاح النجاح بالنسبة لي على الصعيدين، الأسري والعملي، حيث تعلمت كيفية التكيف مع التغيّرات، والمواقف غير المتوقعة، كما كان للدعم المستمر من الأسرة دور كبير في مساعدتي على التوفيق بين مسؤولياتي جميعها.ما الدور الذي لعبته عائلتك في دعم مسيرتك العلمية؟
كان لعائلتي، بخاصة والدتي وزوجي، دور أساسي في دعمي، وتوجيه مسيرتي العلمية. ودائماً ما كانت والدتي مصدر إلهام لي، غرست فيَّ منذ صغري قيمة التعليم والالتزام بالمثابرة، وشجعتني على ملاحقة أحلامي، وتعلمت منها أهمية التوازن بين الحياة الشخصية والمهنية، كما لم تدخر جهداً في رعاية أبنائي، حيث كانت إلى جانبي في أكثر الأوقات.
فيما كان زوجي مصدر الدعم الذي لم يكن لي غنى عنه، بتقديره لطموحي الأكاديمي، وتقديمه الدعم المعنوي والمادي، كلما احتجت، وبفضل تفهّمه ودعمه، تمكنت من التوفيق بين مسؤولياتي كأم، ومهنتي الأكاديمية. وحرصه على تنظيم الكثير من جوانب حياتنا العملية منحني الحرية للتركيز على مشاريعي البحثية. لذلك أنا ممتنّة لهم على وقوفهم إلى جانبي في كل خطوة من خطوات هذه الرحلة.

ما رسالتك للمرأة الإماراتية الطامحة إلى التميّز في عملها مع الحفاظ على دورها الأسري؟
على المرأة أن تؤمن بقدرتها على تحقيق التوازن بين العمل والأسرة، من خلال تحديد الأولويات، وإدارة الوقت بمرونة، فالتميّز يشمل النجاح المهني والعائلي، معاً، ولا يتطلب التضحية بأحدهما. بالشغف، والتنظيم، والاستمرارية ودعم الأسرة والمحيط يمكن أن تصل إلى مفاتيح النجاح.
ما هي خططك المستقبلية سواء على المستوى الأكاديمي أو البحثي؟
على المستوى الأكاديمي، أسعى إلى الاستمرار في تطوير وتعزيز مسيرتي التعليمية، من خلال تقديم برامج تعليمية مبتكرة تسهم في تطوير مهارات الطلاب في مجالات الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات، ومواصلة العمل على بناء بيئة تعليمية تحفز على التفكير النقدي، والابتكار، مع التركيز على تحضير الطلاب لمواجهة تحدّيات المستقبل في مجالات التكنولوجيا، والبحث العلمي.
أما على المستوى البحثي، فأطمح إلى إنشاء مراكز بحثية متخصصة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية، بخاصة في مجالات التشخيص المبكر والعلاج الشخصي للأمراض المزمنة. كما أهدف إلى تعزيز التعاون مع المؤسسات البحثية، محلياً ودولياً، لتطوير حلول تقنية تسهم في تحسين جودة الحياة، وتوظيف التقدم العلمي لخدمة البشرية.
* تصوير : السيد رمضان