عرفت السينما الفرنسية مئات الأفلام البوليسية في تاريخها. لكن لا شيء يشبه، أو يتقدم على تلك التي تم إنتاجها في النصف الثاني من الستينيات، وحتى أواخر السبعينيات، وهذا واحد من أفضلها.
الممثل الفرنسي ميشيل بوكيه في سنة 2022، دافع لإعادة مشاهدة أفلامه التي تتجاوز السبعين عملاً سينمائياً، ما بين 1947 و2022. هذا الفيلم البوليسي الممتاز أحدها.
بشفتيه الرفيعتين اللتين تعكسان تصميماً، وبعينيه الصغيرتين اللتين تشعّان عزيمة غريبة، لعب بوكيه أدوار الرجل المسيطر على نفسه، وأدواته، والذي قد يعمد إلى الجريمة بهدوء مخيف، حتى وإن فهم عواقب ما يقوم به.
هذا بالتحديد ما يقوم به بوكيه في فيلم «شرطي»، للمخرج الممتاز إيف بواسيه. قصّة تحرٍّ يحاول تفكيك قضية جنائية بمواجهة، المتّهمين والأبرياء، على حدّ سواء، ضرباً وتعذيباً، بل وقتلاً أيضاً. هناك ذلك المشهد الذي يجمع بين هذا التحري، فافينن، (بوكيه)، وبين رجل مهمّات اسمه فيلتّي (ميشيل كونستاتان)، يشهر التحرّي المسدس على فيلتّي فيقول له «هذا اغتيال»، يردّ عليه فافينن «نعم»، ويقتله. الحبكة التي يدور الفيلم حولها هي أن عصابة لترويج المخدّرات تقتل صاحب حانة ليلية رفض بيع المخدرات في حانته، ثم تقتحم الحانة، وتحطّمها، وتعتدي بالضرب على شقيقة القتيل، ما يدفع صديقها روفر (جون غاركو)، وصديقين له، إلى قتل رئيس العصابة.
فافينن، في نحو ثلث الساعة الأولى من الفيلم، يساعد زميله (برنار فريسو)، على الكشف عما يحدث. ومع مقتل برنار يتولّى التحقيق منفرداً، وعند هذه النقطة تحديداً، يكشف عن لونه، واستعداده لمعاملة الجميع بقسوة، والحكم عليهم، وتنفيذ القضاء أيضاً. الفيلم لا يحدد دوافع فافينن بقوّة، لكنه يكشف عن أنه، ورئيس البوليس القومسيير (أدولفو شيلي)، لديهما ما يخفيانه من علاقات مع أطراف حكم يمينية.
تعرّض الفيلم لنقد حكومي شديد على أساس أنه يشوّه صورة البوليس الفرنسي، ما أدّى إلى تأخير عروضه التجارية بضعة أشهر. لا يخفى أن المخرج الفرنسي بواسيه لديه ميل لتقديم شخصيات أمنية شرسة، في مواجهة مواطنين، إن كانوا مذنبين أو لا. بعد هذا الفيلم بعامين كانت لدى بواسيه قنبلة أخرى من النوع ذاته، بل أشدّ عندما حقق «الاغتيال» ( L'attentat) عن إسهام المخابرات الفرنسية في اغتيال المعارض المغربي «بن بركة»، ولو أن الفيلم منح بطله ذاك (جان ماريا فولونتِ) اسماً آخر.