مجلة كل الأسرة
29 نوفمبر 2024

روضة الصايغ: طريقة السّرد قصة بحد ذاتها

فريق كل الأسرة

روضة الصايغ نجمة غلاف
روضة الصايغ نجمة غلاف "كل الأسرة" لشهر ديسمبر

لا يقتصر دور الفنان على الإبداع فحسب، بل يتعداه إلى التأثير في المجتمع، وتقديمه بصورة تعكس تقدمه، والمواهب التي يتمتع بها أبناؤه، فقد نجحت المخرجة الإبداعية روضة الصايغ، في صياغة الكلمات كسلاسل الذهب التي صاغها جدها في الماضي، لتستكمل روضة هذه المسيرة من الإبداع، عبر منصة روضة SAY التي توثق من خلالها الإمارات بعيون فنية معاصرة، وتسرد قصصاً تعكس عمق المجتمع الإماراتي.

تروي روضة الصايغ ، في حوارها مع «كل الأسرة» الذي أجرته معها الزميلة هويدا عثمان،  قصتها كأحد الوجوه الإبداعية البارزة، التي ترجمت دعم دولة الإمارات للمبدعين، إلى أعمال تعكس تطوّرها كمصورة وكاتبة إلى مخرجة إبداعية، ومتحدّثة، تستعيد قصص نجاح بطريقة ملهمة، تلامس القلوب، لتثبت أن وراء كل عمل فني قصة، ووراء كل قصة فناناً.

عادة ما تقدم روضة الصايغ نفسها إلى الناس بطريقة إبداعية، فأردنا في بداية حوارنا معرفة الطريقة التي ستقدم بها نفسها إلى قرّاء مجلة «كل الأسرة»، فأجابت «الإمارات أرض المواهب من قبل أن تتوفر كل الموارد، وأنا فخورة بأنني حفيدة مواهب إماراتية. جدي، رحمه الله، كان أول صائغ ذهب في دبي، ومن مهنته أخذنا لقب الصايغ. أحب أن أرى في أسمي قدرات المواهب الإماراتية، وكم هو تذكار للتفاني والإخلاص في العمل كي يستمر الأثر. اسم شركتي الإبداعية روضة SAY مستوحى من الصايغ باللغة الإنجليزية Alsayegh، فكلمة SAY التي تعني السرد مستخرجة من الاسم الكامل.

أما جدتي، رحمها الله، فكانت تصمّم بالتلّي من المنزل، وإلى يومنا هذا نرى تفاصيل مبدعة في تصاميمها التي ما زالت تعيش معنا، ففي زمن لم توجد فيه موارد كثيرة استطاع أجدادنا أن يحدّدوا هوية لإبداع الإمارات، فمن الطبيعي أن نجد مواهب بارزة ومتألقة في زمننا الحالي على أرض الإمارات الملهمة».

كانت روضة ترتدي ثوباً أنيقاً يجذب الأنظار بتفاصيله الغنية والرائعة ، وكشفت لنا أن لهذا الثوب قصة مميزة روتها لنا قائلة «أفتخر بأني أسرد قصتي وأنا أظهر بقطعة فريدة من نوعها، تدمج بين شغف جدّتي وأختي. أكمام عبايتي «شغل يد» جدتي للتلّي على سروال أهدته لأمي في الثمانينات، وخلّدت أختي غالية الصايغ، «مصممة إماراتية»، عمل جدتي بتحويله إلى ثوب بعد أن قدمت خامته، لكي تخلد تصميم جدتي للأجيال القادمة. والذهب الذي أتزيّن به ذهب جدّتي أيضاً. اليوم أرى في ما ألبسه قصة إبداع وإلهام دولة استمرت على أيدي أجيال. أرى جمال الماضي، وإلهام الحاضر، وازدهار المستقبل.

فقد أدركت من خلال هذا الحوار كأم، أهمية تنمية المواهب، مهما كان المجال، فالدولة بمواهبها تزدهر «فجدّي كان يصوغ الذهب وأنا أصوغ الكلمات».

من المعروف أن روضة الصايغ تبرع في سرد القصة لتعبر بها إلى عوالم أخرى تستقطب الاهتمام وتفتح آفاق التفكير والإبداع، فما هي نوعية الأفكار التي تقدمها لعملائها لتقديم أنفسهم؟ أوضحت «أنا لا أجهز أفكاراً قبل أن أستمع إلى العميل، بل يلهمني العميل دائماً عند سرد القصة. كمخرجة إبداعية وراوية قصص، ليست كل قصة قصتي، لذلك من المهم أن أستمد الإلهام منهم. أحب عندما يقول لي العميل: «رغبنا في العمل معك لأنك إماراتية، ونرى قيم الإمارات في عملك». هذا يلهمني لدمج رؤية العميل مع مبادئ من أرضي، لتقديم قصة فريدة وعميقة. كثيرون قد يعتقدون أن الراوي هو من يسرد القصص للآخرين فقط، ولكن القصة فكرة يمكن أن تتحول إلى صورة، أو فيديو، أو حدث، أو أغنية، والكثير غيرها».

كما حدثتنا روضة كيف شكّلت رؤية الإمارات وتطوّرها توجهها في طريق الإبداع ، وألهمتها مسارات الإلهام «الإمارات تلهم الغريب، فكيف لي أن أعطيها حق وصف كم هي ملهمتي وأنا ابنتها؟ في كل زاوية من وطني أرى الإبداع والإلهام يتجلى في تفاصيله. وفي الرؤية المستقبلية، أرى أن الإمارات كبرت بسرعة، والواجب علينا أن نواكب سرعتها، ونتطور معها. يستغرب الكثير من إنجازاتنا في أعمار صغيرة، ولكن من يرى الصورة الأكبر، ويفهم كم أنجزت الإمارات في 53 سنة، يدرك أنه من الطبيعي أن تثمر هذه الأرض أجيالاً تتفوق على عمرها».

من الطبيعي أن يكون لكل طموح تحديات وربما عوائق تبرز في طريق النجاح ، وأشارت روضة الصايغ إلى أهم التحدّيات التي واجهتها في مسيرتها «أكبر تحدٍ واجهته كان اتخاذ قرار ترك وظيفتي الحكومية، والتركيز كليّاً على خدمة بلدي من خلال موهبتي، وشركتي الإبداعية. كان قراراً مخيفاً في البداية، لكنني ممتنّة لأني اتخذت تلك الخطوة. مقعدي في الحكومة تم ملؤه من قبل شخص قد يكون أكثر تأهيلاً في اليوم التالي، لكن في عالم الإبداع لا يوجد بديل لك. هناك العديد من المواهب الجميلة، ولكن كل موهبة فريدة من نوعها. أعتبر شغفي واجباً وحلماً، وأنا فخورة جداً بأنني أعيش هذا الحلم، وأخدم الإمارات من خلاله».

كثيرة هي الأعمال التي عكست موهبة روضة الصايغ في عدة مجالات، ولكن أردنا سؤالها تحديداً عن البصمة التي وضعتها في عالم المبدعين الإماراتيين، فقالت «ذكّرني السؤال بأقرب جملتين إلى قلبي أسمعهما عندما أترك بصمة مشرفة، بفضل الله. كلما أنجز تكتب لي أمي: «فخورين فيج يا بنت أحمد»، وزوجي يقول لي: «فخور فيج يا أم خالد». أنا بنت أحمد، وأم خالد، أنا جزء لا يتجزأ من ماضي، وحاضر، ومستقبل الإمارات».

وفي معرض حديثها عن أبرز الأعمال التي قدمتها، أكدت أن جميع أعمالها عزيزة على قلبها، ولكن هناك عمل محدد يبرز من بينها «جميع أعمالي لها مكانة كبيرة في قلبي، ولكن أبرزها كان فيديو لأغنية وطنية، تضمّن مشاهد لم تُعرض من قبل للمغفور له الشيخ زايد، طيب الله ثراه، وحينها استوعبت كم من الممكن أن أقدّم للإمارات من خلال العمل الإخراجي. والسبب الأعمق وراء اعتزازي بهذا العمل هو تعرّف ابني خالد، وهو في العام الأول من عمره، إلى «بابا زايد»، فعندما كنت أراجع العمل على «اللابتوب» شاهد الفيديو، وأخبرته أنه للشيخ زايد، وحتى اليوم، بعد مرور أكثر من عام، كلما شاهد «اللابتوب» يقول «بابا زايد»، هذا التأثير الذي استشعرته من خلال طفل صغير، أكد لي أن الأعمال الوطنية الجيدة مشاعرها تتوارث بين الأجيال، ومن هنا زاد شعوري بالمسؤولية تجاه للأعمال التي أختارها، وأتقنها».

وتشيد روضة بالدعم اللامحدود الذي تقدمه الدولة إلى المبدعين الإماراتيين مما ساهم بشكل كبير في إطلاق إبداعاتهم ومواهبهم وإنجازاتهم نحو العالمية «يمكن أن أختصر شعوري بالفخر والدعم المستمر من خلال جملة «أنا محظوظة كوني موهبة إماراتية»، فالدعم المتواصل الذي ألقاه من وطني هو بمثابة الوقود الذي يشعل شغفي بالإبداع، والدعم له أوجُه عدّة، أحدها هذا الحوار الصحفي الذي تجرونه معي اليوم، فالإعلام الإماراتي يرصد نجاحنا، ويسلط الضوء على إنجازاتنا منذ انطلاقنا، وشيوخنا أطال الله في أعمارهم، هم من يكرمون إنجازاتنا، ويشاركوننا أهم لحظات نجاحنا، الأبواب مفتوحة دائماً للمبدعين، والفرص المتاحة التي تقدمها لنا الجهات الحكومية، لا تُعدّ، ولا تُحصى، لنكون جزءاً من نجاحهم عبر القصص التي نسردها لهم. وبدوري في منصة «SAY» أقدم الدعم لغيري من المبدعين، وكمخرجة أتعاون مع أسماء جديدة في المشاريع التي أعمل فيها، لتجدَ فرصة كنت أتمنى أن تتوفر لي في بدايتي، وبشكل عام، يجب ألّا نكون أنانيين في الفرص، فلا مانع من أن أقترح اسم شركة أخرى في عمل اعتذرت عن تقديمه، فهذه المنافسة للسوق الإبداعي».

وتسرد روضة الصايغ بعض المواقف التي أثرت فيها، وتقف عند بعض المحطات التي تفتخر بها في مسيرتها ، قائلة «من المواقف التي تركت أثراً في داخلي، وزادت شعوري بالفخر، كان خلال عملي مع إحدى العلامات التجارية العالمية، التي طلبت مني أن أسرد قصة العلامة باللهجة الإماراتية الجميلة. كما أذكر مشاركتي في إحدى الفعاليات الكبيرة من تنظيم دائرة السياحة والثقافة في أبوظبي، بالتعاون مع «اليونيسكو»، حيث كنت أقف كمتحدثة أمام أكثر من 2000 شخص، و200 وزير تعليم من حول العالم، فقد طلب مني أن أسرد قصة الحدث، جهزت القصة، وقدمتها بطريقة عكست حجم المواهب الإماراتية، والمهارات التي نتمتع بها، لدرجة أن إدارة الفعالية طلبت مني أن أسرد قصة أخرى في نهاية الحدث، الأمر الذي ترجم وقوف قادة الدولة بجانبنا، وحرصهم على تقدمنا المستمر.

وعلى الرغم من إنجازاتي العديدة في الحياة العملية، لكني أفتخر بلقب «أم خالد»، فأنا أرى أن تنشئة مواطن إماراتي دور عظيم بالنسبة لي كأم، فأساس المجتمع هو الأسرة، ومهما انشغلت لا أنسى دوري كأم، حتى اختياراتي للأعمال التي أقدّمها أضع رؤية ابني، وتقييمه لهذا العمل في مقدمة أولوياتي، ويهمني أن يفتخر بوالدته، ويقدّر قيمة المبادئ التي أسعى لتعزيزها في المجتمع».

كما كشفت عن طموحاتها وأهدافها في المرحلة المقبلة التي تسعى جاهدة لتحقيقها «هدفي أن أمثل المواهب الإماراتية على منصات عالمية بشكل مشرّف، ولكن اليوم أودّ أن أقول إني أطمح إلى أن يكون أحفادي فخورين بي، لدرجة أنهم يجدون سبباً لذكر اسمي في محادثاتهم، ومن خلال إنجازاتهم. ليس لأنني أرغب في أن أكون مشهورة، بل لأنني من خلال هذه المقابلة أدركت كم أن أجدادي ألهموني، وأتمنى أن أترك في حياة أحفادي، وعلى أرض الإمارات، نفس الأثر الذي تركه أجدادي في حياتي».

وفي نهاية حوارنا الشيق مع روضة الصايغ، قدمت مجموعة من النصائح لأصحاب المواهب الإبداعية تشجعهم فيها على مواصلة اتباع شغفهم والإصرار على النجاح «التوكّل على الله، والسعي، طلب يد العون، لا تتحمّس من أول عمل ناجح، حاول أن تجد الشيء الذي يبرز شغفك، استلهم ولا تقلّد، احصد المزيد من العلاقات والصداقات، احرص على التواصل، وأخيراً، لا يوجد زمن معيّن للانطلاق، فلا نربط العمر بالرزق، فالأقدار بيد الله، والأعمار بيد الله، وأن يُقدم العمل الذي يترك بصمة في مجتمع الإمارات».