21 ديسمبر 2025

هل يجوز الطلاق بسبب كثرة المشكلات وغياب التوافق النفسي؟

محرر متعاون

مجلة كل الأسرة

العلاقة الزوجية في منظور الإسلام هي أقوى ارتباط شرعي ونفسي واجتماعي وأخلاقي، بين الرجل والمرأة، لذلك قال الحق سبحانه وتعالى في شأن هذه العلاقة وصوّرها تصويراً بديعاً: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة»، وقال أيضاً في شأن العلاقة بين الزوجين: «هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهن»، ولا يمكن أن تستقيم الحياة الزوجية، وتحقق ثمرتها في السعادة والأمان النفسي، من دون وجود حب وطمأنينة بين طرفي العلاقة الزوجية.

لكن، ماذا لو غابت، أو تلاشت هذه المعاني الإنسانية الجميلة بين الزوجين، هل يكون الحل هو الطلاق؟

توجهنا بهذا السؤال المهم لعالِمين من علماء الشريعة الإسلامية ورجال الفتوى بالأزهر الشريف، حيث يؤكد بداية د. عباس شومان، أستاذ الشريعة الإسلامية والأمين العام لهيئة كبار العلماء، أن «الانسجام والتوافق النفسي بين الزوجين لا غنى عنه لاستقرار العلاقة الزوجية، لكنه قد يحتاج إلى صبر وتضحيات من الطرفين، فنادراً ما تجد زوجين متوافقين في بداية حياتهما الزوجية في كل شيء. ومع مرور الأيام، وكثرة الاحتكاك، وفهم كل منهما طبيعة الآخر وأحواله النفسية، غالباً ما يتم التعايش وتراضي الطرفين فيما بينهما من نقاط خلاف، وعدم توافق كامل. وقد يزداد النفور مع مرور الأيام، ويكثر الصدام، وهنا ينبغي أن نطبق قول الحق سبحانه: «وإن يتفرقا يغنِ الله كلاً من سعته وكان الله واسعاً حكيماً».

مجلة كل الأسرة

ظلم يرفضه الإسلام

وما الحكم لو قام الزوج بتطليق زوجته لمجرد نفوره من بعض تصرفاتها. أو طلبت الزوجة الطلاق من دون وجود ما يستدعي ذلك؟

يقول عالم الفتوى الأزهري: «الرجل يملك عقدة النكاح، ومن صلاحيته تطليق زوجته في أيّ وقت يشاء، لكنه في ظل تعاليم الإسلام لا يجوز له تطليق زوجته من دون وجود ما يستدعي ذلك، ولو حدث وطلق من دون وجود أسباب معتبرة تستدعي الطلاق، أصبح حكمه في الإسلام ظالماً، ومتعسفا في استخدام حقه الشرعي، ويكون آثماً شرعاً.

وكذلك الزوجة، ليس لها هي الأخرى حق طلب الطلاق من دون وجود أسباب تستدعي ذلك، ولو فعلت وطلبت الطلاق لمجرد أوهام نفسية، أو نتيجة مشكلة صغيرة مع زوجها قابلة للحل، تكون آثمة، وينطبق عليها حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «أيّما امرأة سألت زوجها طلاقاً في غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة». وإذا كانت المشكلة نفسية، وكرهت الزوجة الاستمرار مع زوجها، وخشيت التفريط في حقه، كان لها الحق في طلب الطلاق «خلعاً»، كما فعلت امرأة ثابت بن قيس».

لكن ينصح د. شومان بالصبر بين الزوجين في حالة حدوث نفور نفسي، فالطلاق أبغض الحلال، وله تداعيات، كثيرة وخطرة، على الأسرة والمجتمع، وقد يحدث التوافق بعد النفور، وأحداث الحياة وتجاربها تؤكدان ذلك.

ويضيف د.شومان: «نصيحتنا هنا لكل زوجين بينهما خلاف أو شجار، عليكما العودة إلى تعاليم الدين، ففيها الصلاح والعلاج، وفي ظل الالتزام الديني والأخلاقي بين الزوجين وحرص كل منهما على الوفاء بواجباته قبل المطالبة بحقوقه، يتحقق الهدف، وتظلل المودة والرحمة الحياة الزوجية».

مجلة كل الأسرة

نصيحة للزوجات

بعض الزوجات الشابات يتمرّدن على الطاعة الزوجية، ويستهترن بقوامة الزوج، ويزاحمن الأزواج في قيادة الأسرة، ويُردن الانفراد بالقرار، والسطوة على شؤون الأسرة، والتحكم في سلوكات الزوج، وعندما يجدن مقاومة من الأزواج يطالبن بالطلاق بعد ادّعاء المشكلات. بماذا تنصحون هؤلاء؟

تجيب العالمة الأزهرية د. فتحية الحنفي، أستاذة الشريعة الإسلامية بفرع جامعة الأزهر للبنات: «هذا دلع زوجات لا يعرفن متطلبات الحياة الزوجية، من صبر وتضحيات، وأيضاً لا يعرفن مقام الزوج ومكانته، في نظر الإسلام. فالزوج في نظر الشرع هو القوّام على شؤون الأسرة، ومطالب شرعاً بالوفاء بحقوق زوجته، المادية والنفسية والعاطفية، وعندما يقوم الزوج بتلك الواجبات تجب طاعته، والعمل على إرضائه النفسي، وليس مزاحمته في اختصاصاته. والزوج مطالب شرعاً باحترام عقل ومشاعر زوجته، والتشاور معها في ما يخص شؤون الأسرة، لكنه في النهاية هو المسؤول عن القرار الأسري».

وتضيف: «كما أن تعاليم شريعتنا الإسلامية ترفض كل تجاوز من جانب الرجال الذين فهموا القوامة على غير ما أرادها الإسلام، فأساؤوا إلى زوجاتهم، وألحقوا بهنّ الأذى النفسي والبدني من دون وجود ما يستدعي ذلك».

وترى أستاذة الشريعة الإسلامية بالأزهر، أن الخروج من هذه الحالة والقضاء على هذه التجاوزات السلوكية في حياة الأزواج والزوجات، وإعادة المودة المفقودة والرحمة الهاربة من حياتهم الزوجية، لن يكون إلا عن طريق الالتزام بما حدّده لنا الخالق من آداب، وأخلاقيات، وحقوق وواجبات متبادلة.

وتحذّر د. فتحية الحنفي من تكرار التجاوزات والسلوكات المرفوضة التي حذر منها الإسلام بين الزوجين «هناك إهدار لبعض الحقوق المتبادلة داخل عش الزوجية، وفي ظل هذه الخلافات والصراعات اليومية لابد أن يحدث العنف بين الزوجين، وفي ظل الإهدار المتبادل للحقوق، وغياب المودة والرحمة من الحياة الزوجية، لابد أن تتحجر القلوب، وتتبلد المشاعر، ويهرب الحب والحنان، وتكون النتيجة الحتمية هي الطلاق الذي يتم أحياناً بعد شجار، وخلافات، ومحاكم، ووسطاء، وتشويه متعمد، أو غير متعمد لسمعة الطرفين».