الكلمة عنوان الأخلاق، ومن خلالها يُعرف مستوى التربية، ويُقاس الحياء. فمع كثرة المؤثرات الخارجية بعيداً عن رقابة الأهل، بدأت بعض الفتيات يستخدمن ألفاظاً لا تليق بمكانتهنّ، ولا بأدب الإسلام في حديثهنّ اليومي. وبينما يرى البعض هذا الأمر مجرّد عادة عابرة، يدق رجال الدين ناقوس الخطر، مؤكدين أن الكلمة ليست مجرّد صوت يُقال، بل سلوك يعكس تربية وقيماً تُبنى عليها شخصية الفتاة.
الدكتور محمد عيادة الكبيسي، كبير مفتين في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري، بدبي، يقول «من الملاحظ أن بعض الألفاظ الغريبة غير اللائقة بدأت تتسلل إلى ألسنة بعض الفتيات، وتنتشر بينهنّ، مع ما تحمله هذه الألفاظ من آثار خطرة، دينية وأخلاقية واجتماعية، ومثل هذه الألفاظ لا تليق بمقام المرأة المسلمة التي زيَّنها الله بالحياء، وجمَّلها بالأدب والأخلاق، وهذا السلوك له جانبان متلازمان، جانب شرعي، وآخر اجتماعي.
الكلمة قد تصنع سعادة الإنسان أو تسبّب شقاءه
أما في الجانب الشرعي، فقد أولى الإسلام حفظ اللسان عناية عظيمة، وجاءت نصوص كثيرة تحث على حفظ اللسان، وتبيّن خطورته، لأنه أداة التعبير عما في العقل والقلب، فالكلام قد يكون سبباً في سعادة الإنسان، أو في شقائه، وكل لفظ مكتوب يطبع عليه قوله تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد). وقد حثّ الله تعالى، المؤمنين على القول السديد، والكلام الحسن، فقال جل وعلا: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً)، وقال عز وجل: (وقولوا للناس حسناً)، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم، حفظ اللسان من علامات حسن الإسلام، وكمال الإيمان: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)، كما نهى عن جميع أنواع الكلام السيئ من اللغو، والفحش، والبذاءة، والطعن في الآخرين، فقال: (ليس المؤمن بالطعّان ولا اللعّان ولا الفاحش ولا البذيء)، لأن الإيمان الحقيقي لا يجتمع مع هذه الألفاظ السيئة، بل يمنع صاحبه منها، ففي هذا الحديث تحذير للذي يطعن في الناس، ويغتابهم، ويعيبهم، ويقع في أعراضهم، والذي يكثر شتم الناس وسبهم ولعنهم، والذي يشتم الآخرين مع قلة الحياء، والفحش، وبذاءة اللسان والأفعال، وهذه من أكثر الصفات التي يبغضها الله تعالى، كما بيّن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يبغض الفاحش البذيء)».
ويضيف د. الكبيسي «الكلمة في الإسلام ليست مجرّد عادة اجتماعية، بل لها أثر عظيم في حياة الإنسان، في الدنيا والآخرة، ونتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم، في بيان عِظم أثر الكلمة، وكيف يمكن لها أن ترفع الإنسان في الجنان، أو أن ترديه في النيران، والعياذ بالله: (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالاً، يرفعه الله بها درجات، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالاً، يهوي بها في جهنم»، وعندما سأل معاذ بن جبل رضي الله عنه، النبي صلى الله عليه وسلم، عن العمل الذي يدخله الجنة ويبعده عن النار، أجابه قائلاً: «ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟»، أي: أخبرك بما تمتلك به كل ما سبق من الخير، قال معاذ: «بلى، يا رسول الله»، قال النبي صلى الله عليه وسلم عن اللسان: «كف عليك هذا»، أي: اترك الكلام المحرم، والكلام الفاحش، والكلام الذي لا خير فيه، فقال معاذ: وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: «ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يَكُبُّ الناس في النار على وجوههم - أو قال على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم؟»، ففي هذا الحديث تحذير شديد من آفات اللسان، وأنه أكثر شيء يجعل الناس يسقطون في جهنم، بسبب سوء أقوالهم وفحش كلماتهم، والعياذ بالله».
أما الجانب الاجتماعي، فيوضح الأسباب التي تدفع بعض الفتيات لاستخدام ألفاظ غير لائقة في حديثهنّ، ويشير د. الكبيسي «هناك أسباب كثيرة، ولعل من أبرزها: تأثير وسائل التواصل الاجتماعي، بعد مشاهدة مقاطع ومحتويات تحتوي على مثل هذه الألفاظ، والقيام بمحاولة تقليدها، ومن الأسباب كذلك: ضعف الوازع الديني، وعدم مراقبة الله تعالى، وعدم محاسبة النفس، مع الصحبة السيئة، وغياب القدوة الحسنة والتوجيه المناسب، في البيت أو في المدرسة، وضعف التربية على الأدب، والحياء، والحشمة، إضافة إلى ظهور مرض العصر الخطر في حب الشهرة والظهور، والرغبة في جذب الانتباه، وزيادة المتابعات والتعليقات، بشتى الوسائل، من دون تنبه إلى خطورة الكلمة وأثرها السيئ".
5 نصائح لتوجيه وتربية الفتاة على صون اللسان
يوضحها الدكتور محمد عيادة الكبيسي:
- تعزيز التربية الإيمانية منذ الصغر: بغرس القيم الدينية والأخلاقية في نفوس الفتيات، وربطهنّ بأهمية الكلمة الطيبة وأثرها في الدنيا والآخرة، فاللسان عنوان الإيمان.
- قدوة الوالدين في السلوك والحديث: على الأب والأم أن يكونا نموذجاً يحتذى في انتقاء الألفاظ، فالفتيات يتعلمن من أفعال الوالدين أكثر مما يتعلمن من التوجيه اللفظي.
- الرقابة الواعية على المحتوى الرقمي: متابعة ما تتعرض له الفتيات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتوعيتهن بخطورة تقليد المحتوى المسيء، أو الألفاظ الخارجة المنتشرة في المقاطع والتحديات.
- الصحبة الصالحة والبيئة الإيجابية: تشجيع الفتاة على تكوين صداقات راقية ترفع من مستواها الأخلاقي، فاللسان يتأثر بالمحيط، والكلمة تنبع من البيئة التي تتغذى منها الروح.
- المدرسة والمسجد شريكان في التوعية: بتفعيل الأنشطة التربوية والدروس الدينية التي تُبرز قيمة الحياء وأهمية ضبط اللسان، وترسيخ مفهوم أن الأخلاق ليس مظهراً بل سلوك متكامل.
