
حذر مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية من استغلال مواقع التواصل الاجتماعي لنشر الشائعات والأكاذيب والقصص المفبركة. موضحاً مواجهة الإسلام لكل ما يضلل الناس، ويبعدهم عن حقائق الأمور؛ لما في ذلك من مخاطر عدّة على أمن وسلامة المجتمع، والروح المعنوية لأبنائه.
وأوضح المركز الأزهري أن تناقل الأخبار المختلقة، والقصص المفبركة، والشائعات الكاذبة؛ يعرّض الإنسان للمساءلة أمام الله عز وجل، ويلحق به «الإثم»، فالله سبحانه وتعالى قال في كتابه العزيز: «ولا تقفُ ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولٰئك كان عنه مسؤولاً».
وشدّد مركز الأزهر العالمي للفتوى على ضرورة عدم تصديق كل ما يسمعه الإنسان، أو يقرأه؛ حتى يتأكد من صحته، ويقول: «لا تسخّر حواسّك في ما لا فائدة منه، فالإنسان مسؤول أمام الله سبحانه، عمّا استعمل فيه سمعه، وبصره، وفؤاده، وسيوفي جزاءه من جنس عمله، بالخير أو بالشر».
وكانت دراسة علمية أزهرية حديثة قد أشارت إلى أن 62% مما يتم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي قد لحقه «التشويه والتزوير»، ما يؤكد خطورة ما يتداوله الناس على صفحاتهم، و«الجروبات» التي يشاركون فيها.

عقاب إلهي رادع
في البداية، سألنا الفقيه الأزهري د.فتحي عثمان الفقي، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر وعضو لجنة الفتوى المركزية بالأزهر، عن التوصيف الشرعي للشائعة، وحكم الشرع في سلوك من يتداول الشائعات والأكاذيب التي تمسّ سمعة الآخرين، وأعراضهم، على مواقع التواصل الاجتماعي.. فقال: «الشائعة تطلق على الخبر الذي يشاع وينتشر بين الناس، وقد لا يُعلم مَنْ الذي أذاعه، وهي بهذه الطريقة قد تكون حراماً إذا كانت تمسّ أعراض الناس، كإشاعة الفاحشة، قال تعالى:«إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتـــــــم لا تعلمون»، وهذا هو حكم الله في الآخرة.
والشائعة الكاذبة التي تنال من الأعراض عقوبتها الشرعية في الدنيا (حدّ القذف)، إن توافرت شروطه، وإلا فالتعزير، كالشائعة التي تضر باستقرار البلد، وأمنه، وأمانه، وعلى أولي الأمر قطع دابر الشائعات بالطرق المناسبة».
ويشدّد عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر على أن ضرر الشــائعات والأكاذيب خطر وعظيم؛ حيث إنها تؤدي إلى إثارة البلبلة في الأفكار، وتضليل الرأي العام، والفتنة بين الناس، وتشويه سمعة الأبرياء.
فاسق... وشيطان
ومما يدل على خطورة الشائعات والأكاذيب- كما يقول د.الفقي- أن الله سبحانه وتعالى سَمّى صاحب الشائعة – وهي الخبر الكاذب – فاسقاً، قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين». وسمّاه شيطاناً كما ورد في القرآن الكريم حكاية عن (نعيم بن مسعود الأشجعي)، قبل أن يسلم، حيث أراد أن يخذل جيش المسلمين في غزوة بدر، فقال تعالى في شأنه: «إنما ذلكم الشيطان يخوّف أولياءه فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين». كما وصف بأنه يحب الشر للناس؛ كالمرجفين الذين في قلوبهم مرض، وما أكثرهم الآن في كل مكان؛ بخاصة أعداء النجاح والتقدم للمجتمع، ولكن الله زادهم مرضاً، فالذي يحب الشر للناس ليس مؤمناً، كما نص الحديث: «والله لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيــــه ما يحب لنفسه».

ملعونون في الدنيا والآخرة
وما حكم الشرع في الشخص الذي يردّد الشائعات والأكاذيب ويؤذي الناس من خلال ما ينشره على مواقع التواصل الاجتماعي؟ يجيب د.الفقي: «لقد تعدّدت أوصاف هذا الصنف السيئ من الناس في كتاب الله، لإضرارهم بالآخرين، وبالمجتمـع أيضاً. فقد وصفهم الخالق بـ«الكاذبين»، وما أحقرها من صفة، فقال تعالى: «إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون»، ولأن سلوكهم مؤذٍ، قال الله تعالى في شأنهم: «والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثماً مبيناً»، كما وصفهم بـ«المرجفين» في قوله تعالى: «ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً»، : وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن أربى الربا الاستطالة في عرض مسلم بغير حق»، كما قال عليه الصلاة والسلام: «أيّما رجل أشاع على رجل مسلم كلمة هو منها برئ يشينه بها في الدنيا، كان حقا على الله أن يذيبه يوم القيامة في النار حتى يأتي بنفاد ما قال»، وغير ذلك الكثير من الآيات والأحاديث الدالة على حرمة ما يتناقله الناس بقصد انتهاك حرمات الآخرين، وإلحاق الأذى بهم، وإشاعة الظلم والفاحشة، وغيرها من الموبقات من الأمور المنهي عنها شرعــــاً.

توجيهات شرعية
وبماذا تنصحون الأشخاص الذين يقضون معظم أوقاتهم في تناقل منشورات معظمها غير دقيق على مواقع التواصل؟
«الإنسان مسؤول أمام الله عز وجل، عن كل ما يتناقله، ومقولة (نقل الكفر ليس بكافر)، غير مقبولة شرعاً، ولذلك نصيحتنا للجميع عدم الانسياق وراء تناقل ما لا علم لنا به، والقرآن هو الذي يحثنا على ذلك حيث يقول الله تعالى: «ولا تقفُ ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد، كل أولئك كان عنه مسؤولاً».
أيضاً... المسلم مطالب شرعاً بعدم اتّباع الظن وتصديق الإشـــاعة، يقول الله تعالــــى: «وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئاً»، ففي تصديق الشائعة ظن سيء بمن ألصقت به، وذلك منهي عنـــه، قال تعالى: «يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم.
كما يأمرنا ديننا بالتثبت من الأخبار، وعدم المبادرة بتصديقها، وتناقلها من دون تفكّر وبحث، كما نصّ على ذلك القرآن الكريم في حادث الإفك».
اقرأ أيضاً: كيف تتلاعب الشائعات بمشاعر أولادنا؟ وكيف نعلّمهم كشف الأخبار الكاذبة ونجنّبهم مخاطرها؟