12 أكتوبر 2025

الضوابط الشرعية للشراء بالتقسيط

محرر متعاون

مجلة كل الأسرة

انتشر البيع والشراء بالأجل- التقسيط- في كل البلاد العربية، على الرغم من تفاوت مستوى معيشة مواطنيها، وكثير من المشترين، من مختلف الأعمار، يقبلون على شراء سلع، كمالية أو ترفيهية لا ضرورة، لها بالأجل، ويحمّلون أنفسهم وأُسرهم أعباء اقتصادية لا طاقة لهم بها، وقد كشفت دراسة استطلاعية حديثة أن 23% من شباب إحدى الدول يتطلعون إلى تغيير سياراتهم كل عام، على الرغم من محدودية دخولهم.

أيضاً، تلجأ بعض شركات البيع بالأجل إلى تحميل المستهلك أعباء تحمل شبهة استغلال لحاجاتهم، الأمر الذي دفعنا إلى استطلاع رأي علماء أزهريين، حيث سألنا الدكتور عباس شومان، الأمين العام لهيئة كبار العلماء بالأزهر، أولاً عن ماهية البيع بالأجل، (التقسيط)، وموقف الشرع من المعاملات التي تحتوى على ظلم، واستغلال لحاجة المشتري.

مباح بضوابط

يقول د. عباس شومان «المقصود بالبيع بالأجل هو ذلك البيع الذي يكون الثمن فيه مؤجلاً، والذي يشترط أداؤه على أجزاء معلومة، في أوقات محدّدة، بزيادة على الثمن الأصلي. أي أنه يحتوي على زيادة في الثمن مقابل الأجل».

ويضيف: ولهذا الشكل من أشكال البيع للفقهاء في حكمه قولان:

  • فريق من الفقهاء يرى عدم جواز هذه الزيادة، واستدلّوا على ذلك بأدلّة من أهمها عدم وجود فرق بين الزيادة في الثمن نظير الأجل، وبين الزيادة في الدين نظير الأجل، فكلاهما ربا، وهو حرام.
  • جمهور الفقهاء ذهب إلى جواز هذه الزيادة. مستدلّين على ذلك بأدلّة منها عموم قول الحق تبارك وتعالى: «وأحلّ الله البيع»، والبيع بثمن آجل أكبر من ثمن النقد لم يُخص بدليل يفيد التحريم، ولذا يبقى على الأصل وهو الجواز.

ومن هنا كان رأي جمهور الفقهاء ـ وهو ما نؤيده ونقول به ـ بجواز الزيادة في الثمن النقدي نظير زيادة الأجل، من دون استغلال من التاجر لحاجة المشتري، وهي تختلف عن الزيادة في الدّين مقابل الأجل، إذ الزيادة في الأولى تابعة للنشاط التجاري، وفي الثانية منفصلة عنه، وداخلة في النشاط الائتماني، غير أن جمهور الفقهاء اشترط لجواز الزيادة عدم ذكر السعرين (النقدي والآجل)، في العقد حتى لا يكون بيعتين في بيعة واحدة، كما اشترطوا كذلك عدم فصل الزيادة عن الثمن في العقد أيضاً.

وهو ما انتهى إليه العديد من المجامع الفقهية، حيث أكدت أنه لا يجوز شرعاً في البيع الآجل التنصيص في العقد على فوائد التقسيط مفصولة عن الثمن الحال (النقدي)، بحيث ترتبط بالأجل، سواء اتفق العاقدان على نسبة الفائدة، أو ربطاها بالفائدة السائدة.

عند الضرورة... فقط

ولكن ، هل جواز الشراء بالتقسيط يعني إقدام البعض على شراء سلع، ومنازل، وسيارات فاخرة، بالتقسيط ويكبلّون أنفسهم بديون لا يعرف معظمهم كيف يسدّدها؟

يجيب د.علي عثمان شحاتة، عميد كلية الدعوة الإسلامية بجامعة الأزهر «الإسلام أباح الشراء بالتقسيط لتيسير التعامل، وتلبية الاحتياجات الضرورية للإنسان، لكن ينبغي أن يعلم كل مسلم أن الشراء بالتقسيط (استدانة)، والاستدانة لا تحلّ للمسلم إلا عند الضرورة، والضرورة عند الفقهاء تقدّر بقدرها. فإذا لم يكن عند الإنسان منزل يعيش فيه ويتسع لأولاده، فيجوز له شراء منزل ييسر له سبل الحياة بالتقسيط، بشرط أن تكون لديه الموارد المعلومة والثابتة التي يسدّد منها أقساط هذا المنزل».

وهنا يوضح عميد كلية الدعوة الإسلامية بالأزهر، أن الحكم الشرعي يتغيّر إذا كان الوضع غير ذلك، فلو كان عند الإنسان منزل يحقق له، ولأسرته، حياة كريمة، ويسترهم بين الناس، وليس معه مال، ولا مورد دخل ثابت يستطيع منه دفع ثمن بيت آخر أكثر اتساعاً، كان عليه أن يصبر، وأن يرضى بما قسمه الله له، حتى يوسع الله في رزقه، وينتقل إلى منزل أكثر اتساعاً، أو رفاهية.

لذلك نناشد هؤلاء الشباب الذين يستهويهم استبدال سياراتهم، أو هواتفهم كل عام، وتكبيل أنفسهم بديون نتيجة ذلك، أن يراجعوا أنفسهم، فالمال نعمة وظفها الله لتلبية حاجاتنا من دون إسراف، أو سفه، فمادام الإنسان يمتلك سيارة تحقق له الهدف، ولا تمثل عبئاً عليه، فلا يجوز أن يستدين من أجل تغييرها. فليست هناك ضرورة في هذه الحالة تستوجب ذلك.

حكم «حرق السلعة»

بعض التجار متخصصون في ما يسمى بـ«حرق السلعة»، بمعنى بيعها لمستهلك بالأجل بثمن باهظ، ثم إعادة شرائها بثمن بخس منه. ما حكم الشرع في هذه البيع المنتشر في بعض البلاد العربية؟

يوضح د. عباس شومان: «هذا التعامل محرم شرعاً، حيث لا يجوز لبائع السلعة المؤجَّل ثمنها - بالتقسيط - أن يشتري السِّلعة التي باعها مرّة أخرى نقداً؛ لأن هذا منهيٌّ عنه؛ لحديث النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا تبايَعْتم بالعِينَة، وأخَذْتُم أذناب البقر، ورضيتم بالزَّرع، وتركتم الجهاد؛ سَلَّط الله عليكم ذلّاً لا يَنْزعه حتى ترجعوا إلى دينكم».