03 أغسطس 2025

فضح خصوصيات البيوت على مواقع التواصل.. حرام

محرر متعاون

مجلة كل الأسرة

فرض خلافُ لاعب كرة القدم المصري الشهير حسام حسن، المدير الفني الحالي لمنتخب مصر، مع زوجته الثانية وأم ولديه، وكَشْفُ خصوصيات بيتهما والعلاقة بينهما على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام القليلة الماضية، حالةً من الجدال والسخط الاجتماعي، حيث تعاطف كثيرون مع الزوجة ووجهوا عتاباً للاعب الشهير الذي فشل في احتواء زوجته، وتسبب في إصدار حكم قضائي غيابي بحبسها لمدة شهر بدعوى الاعتداء عليه قبل عامين!!

وبعيداً عن مجريات التحقيقات والدعاوى القضائية المتبادلة بين الطرفين، يبقى السؤال المهم: هل يجوز لأحد الزوجين أو لأولادهما كشف خصوصيات الأسرة على مواقع التواصل الاجتماعي في حال وجود خلافات زوجية؟

يجيب د. علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، ومفتي مصر الأسبق: «كشف أسرار البيوت حرام شرعاً، إضافة إلى كونه سلوكاً خاطئاً، خاصة إذا كان هذا الكشف على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تشيع تلك الخلافات والصراعات والإساءات بين عدد من الناس».

ويضيف: «للأسف انتشر في الآونة الأخيرة بشكل كبير كشف الزوج أو الزوجة عن أسرار بيتهما على مواقع التواصل الاجتماعي مع أول خلاف بينهما، وقد يجد أحد الزوجين نفسه مضطراً لذلك في حالة وقوع ظلم عليه، لكن تعاليم ديننا تحث على الصبر وضبط النفس واستعادة الحقوق المسلوبة عن طريق وسطاء الخير أولاً، ولو فشلت هذه الوسيلة يمكن للمتضرر اللجوء للقضاء، وليس لوسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي».

مجلة كل الأسرة

استرداد الحقوق بالقانون

يقول البعض إن الطرف الذي يشعر بالظلم قد يرى نفسه مضطراً لاستخدام وسائل التواصل لرفع الظلم، أو استرداد حقه، أو تصحيح صورته في عيون الناس.. هل الشعور بالظلم يبرر هذا السلوك؟

يقول د. جمعة: «كل زوجين مختلفين أو يتنازعان على أمر من الأمور عليهما أن يلتزما الهدوء وضبط النفس، ويسعيان إلى حل مشكلتهما بالحوار العاقل، ويتذكران أنه كان بينهما «مودة ورحمة»، ولا يكشفان عن خصوصيات علاقتهما على مواقع التواصل كما يفعل البعض كنوع من الضغط، وهو تصرف قد يجلب العناد من الطرف الآخر وتتعقد المشكلة. ومن المؤسف أن نرى زوجاً أو زوجة يفضحان أو يكشفان أسرار بيتهما وتفاصيل حياتهما في مقاطع فيديو بمواقع التواصل الاجتماعي، وهو نشر للرذيلة بين الناس، وقد يشجع هذا السلوك المرفوض آخرين على فعل ذلك، وتهدر قيمة مهمة في حياتنا وهي قيمة (الستر الاجتماعي)».

ويرى مفتي مصر الأسبق أن لجوء بعض الأزواج والزوجات إلى مواقع التواصل الاجتماعي وكشف خصوصيات بيوتهما قد أدى إلى ارتفاع معدلات الطلاق، فمن الصعب أن يتقبل زوج العيش مع زوجة فضحته على الملأ، والأمر كذلك بالنسبة للزوجة، فلا تقبل زوجة أن تعيش مع زوج فضحها وكشف خصوصية علاقته بها أمام الناس.

نشر تفاصيل الخلاف وما بين الزوجين من خصوصية يهدم العلاقة الزوجية ويصعب على الطرفين العودة من جديد

معايير أخلاقية

د. أحمد نبوي، الأستاذ بجامعة الأزهر، يؤكد ضرورة المحافظة على سياج الستر الذي يحيط بالعلاقة الزوجية مهما حدث من خلافات بين الطرفين، ويبين «هناك معايير وأخلاقيات يجب اتباعها عند الحديث عن العلاقة الزوجية في الفضاء الإلكتروني، منها المحافظة على الخصوصية في كل شيء».

ويضيف: «في البيوت أسرار لا يجوز نشرها حتى لو حدث خلاف بين الزوجين، فالخلاف قد يزول وتعود العلاقة الزوجية لطبيعتها بعد الخلاف، أما نشر تفاصيل الخلاف وما بين الزوجين من خصوصية فهذا يهدم العلاقة الزوجية ويصعب على الطرفين العودة من جديد، بل قد يؤدي النشر وما يتضمنه من أسرار وسلوكيات مرفوضة إلى وقوع جرائم، ومنذ أيام أنهت زوجة شابة حياتها لأن زوجها هددها بكشف مراسلاتها مع رجل آخر، وهكذا تتواصل الجرائم بسبب كشف خصوصيات البيوت».

واستكمل: «المفروض أن نحافظ على الخصوصيات ولا يجوز نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، ولا يجوز نشر الأسرار الزوجية وأسرار البيوت عليها».

مجلة كل الأسرة

صفحات تنشر الفساد

هناك مواقع وصفحات متخصصة في نشر فضائح وأسرار البيوت وهدفها جمع مشاهدين ومتابعين وتحقيق أرباح.. كيف ينظر إلى توصيف عمل هذه المواقع وتلك الصفحات من الناحية الشرعية؟ تجيب أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية: «كل وسيلة تنشر أسرار وخصوصيات البيوت تعمل على إشاعة الفاحشة في المجتمع عن طريق تحسّس أخبار الآخرين الخاصة التي لا يُحِبُّون نشرها، وإشاعة الفاحشة في المجتمع، وهذه جريمة حَذَّر منها الحق سبحانه وتعالى في قوله: «إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ». فالآية عامة في الذين يَلتمسون العورات، ويهتكون الستور، ويشيعون الفواحش. يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «أيُّما رَجُلٍ أشاعَ على رَجُلٍ مُسْلِمٍ بِكَلِمَةٍ وهُوَ مِنْها بَرِيءٌ يَشِينُهُ بِها فِي الدُّنْيا كانَ حَقاً على الله تَعَالَى أنْ يُدْنيَهُ يَوْمَ القيامَةِ فِي النَّارِ حَتَّى يأْتِيَ بِإِنْفاذِ مَا قالَ».

والخلاصة أن المواقع والصفحات التي تجدّ في كشف أسرار البيوت ونقل ما يحدث بين الأزواج وزوجاتهم من علاقات ومشكلات وخلافات هي أدوات فساد وإفساد، ويجب الحذر منها، وأرباحها حرام شرعاً.

إساءة.. وعقوق

أما بعض الأبناء الذين يسيئون لآبائهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي كنوع من الانتقام منهم، وقد يحدث ذلك بتحريض من الزوجة، فهذا السلوك يصفه د. أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء ورئيس جامعة الأزهر الأسبق، «إساءة مدانة شرعاً، فأياً كان شكل العلاقة بين الأب وابنه لا يجوز للابن أن يسيء إلى أبيه سواء في اللقاءات الشخصية، أو أمام الجيران، أو من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، وهذه العلاقة لو صدرت من الابن تعتبر عقوقاً. فالعقوق يشمل كل أذى أو إساءة للوالدين سواء كانت بالقول أو بالفعل، وفي العصر الحديث، امتد ليشمل الإساءة عبر الإنترنت، بما في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي، والعقوق في الإسلام من الكبائر التي يجب على الإنسان أن يتجنبها ليحمى نفسه من عقاب الخالق عز وجل. ولو حرّضت الزوجة أولادها على الإساءة لأبيهم عبر الـ«سوشيال ميديا» فهي زوجة آثمة شرعاً».

مجلة كل الأسرة

أدوات حماية الأسرة

وكيف تحمي الأسر نفسها من عبث مواقع التواصل وما تجلبه لها من فضائح في ظل حالة الانفتاح الكبير على وسائل النشر الموجودة في هذا العصر واحتراف البعض أخبار النميمة ومنشوراتها التي تجد قبولاً لدى عدد من القراء؟ يوضح د. هاشم: «واجب كل أسرة أن تحمي نفسها من أدوات العبث الإعلامي التي شاعت في هذا العصر، فما تفعله تلك الأدوات «أمر خطر» يتعين دراسته بكامل تفاصيله ومن جميع جوانبه التكنولوجية والثقافية والفقهية. كما أن من أثر ذلك أيضاً تراجع مشاعر الود والعلاقة العاطفية بسياجها الأخلاقي بين بعض الأزواج والزوجات، وهي أمور تتعارض مع مقاصد الحياة الزوجية. ولذلك ننصح دائماً باللجوء إلى الحلول الشرعية لإنهاء الخلافات الزوجية، وهي وسائل عادلة للطرفين، ولا تجور على حق أحد من الزوجين. والحلول الإسلامية تتمثل في المصالحة عن طريق التحكيم الأسري «حكم من أهله وحكم من أهلها» وفي حالة عدم الوفاق أو الرضا بما انتهى إليه التحكيم الأسري يلجأ المتضرر إلى القضاء دون أن تصدر منه إساءة للطرف الآخر، وقد تقوم محاكم الأسرة المنتشرة في كثير من بلادنا العربية بهذه المهمة. كل ذلك بعيداً عن ضوضاء مواقع التواصل الإسلامي وما تسببه من أذى نفسي ومن آثار خطرة على الحياة الزوجية، فالبيوت أسرار».

مباح.. ومحظور

بمناسبة الكلام عن أسرار البيوت، توجهنا إلى علماء الدين بسؤال: كيف تنظرون إلى صفحات «اليوتيوبر» التي تنقل للناس أسرار بيوتهم وطعامهم وعلاقاتهم الأسرية وخلافاتهم أحياناً.. هل هذا السلوك مباح شرعاً؟ فأكدت الإفتاء المصرية: «نقل الشؤون الشخصية ومشاركة الآخرين لمشاهدة ذلك يفرق فيه بين حالين: أولهما: ما يصح إِطْلاع الغير عليه.. وثانيهما: ما لا يصح إِطْلاع الغير عليه.

فالأول كتفاصيل الحياة العادية التي لا يَأنَف الشخص من معرفة الغير بها؛ كعنوان بيته، وشَكْله، ونوع سيارته، ونحوه مما يدل على أَن ناشر ذلك له ذوق مناسب وسط البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها؛ فهذا أمر لا مانع منه شرعاً، وقد يندرج هذا الفعل تحت التحدث بنعمة الله على المرء الذي ندب إليه الشرع الشريف في قوله تعالى: «وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ».

وأما النوع الثاني فهو ما يُعيَّب به المرء مما لا يجوز للغير الاطلاع عليه، ونشر ذلك رغبةً في زيادة التفاعل -بالتعليق أو الإعجاب أو المشاركة- حول ما يُنْشَر، وهو مذموم شرعاً؛ لأنَّه من قبيل إشاعة الفاحشة في المجتمع، وهي جريمة حَذَّر منها الحق سبحانه وتعالى في قوله: «إنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ».

والآية عامة في الذين يَلتمسون العورات، ويهتكون الستور، ويشيعون الفواحش بين الناس، ولا يصح أن ينشغل إنسان عاقل بالمتاجرة بنقل أسرار بيته وخصوصية أسرته في حياتها العامة والخاصة».

مجلة كل الأسرة

اتهام خطر

وما الحكم لو اتهم زوج زوجته بالخيانة الزوجية عبر مواقع التواصل الاجتماعي؟ يقول د. علي جمعة: «الاتهام بالزنا اتهام خطر، فلا يجوز لزوج أن يوجهه لزوجته دون أدلة وبراهين، كما لا يجوز أن يوجهه لها عبر وسائل نشر عامة ليفضحها به بين الناس، ولو فعل ذلك فهو آثم شرعاً ومرتكب لجريمة نكراء تستوجب عقوبة شرعية وهي القذف، خاصة وإن طرق إثبات هذه الجريمة صعبة للغاية».

ويضيف: «العقوبة الشرعية لمن يتهم زوجته أو تتهم زوجها بعلاقة محرمة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تختلف باختلاف طبيعة الاتهام ووجود أدلة كافية. بشكل عام، يُعدّ اتهام شخص بالزنا دون بينة قوية قذفاً، ويعاقب عليه الشرع والقانون. وإذا ما ثبتت الخيانة الزوجية، سواء كانت عبر الإنترنت أو غيره، فقد يعاقب عليها القانون بالحبس والغرامة، وتعتبر إهانة للطرف الآخر. وإذا لم يستطع الشخص إثبات صحة اتهامه لشريك حياته بالزنا فقد يُعاقب بتهمة القذف، وهي تهمة شرعية وقانونية، وعقوبتها قد تكون الجلد أو السجن أو الغرامة، حسب القانون المحلي».

أما بخصوص الحكم لو كانت هناك خيانة زوجية عبر الإنترنت، فيبين مفتي مصر الأسبق: «الخيانة الزوجية تعني وجود علاقة جسدية بين طرفين ليس بينهما زواج شرعي بشرط وجود شهود أو اعتراف من أحد طرفي العلاقة، وهذه الجريمة تستوجب عقاباً شرعياً أو قانونياً حسب قانون كل بلد.

إذا كانت هناك أدلة على وجود علاقة عاطفية -غير جسدية-، مثل الرسائل النصية أو الصوتية أو المرئية، فقد تستخدم هذه الأدلة كدليل في قضية الطلاق للضرر. وفي بعض الحالات، قد يعتبر القضاء هذه الأدلة دليلاً على الخيانة الزوجية، وقد يترتب على ذلك عقوبات مدنية، مثل الطلاق والنفقة».

مجلة كل الأسرة

ضرر نفسي واجتماعي

ويوضح مفتي مصر الأسبق أنه بغض النظر عن العقوبة القانونية، فإن مجرد اتهام الزوجة أو الزوج بالخيانة عبر مواقع التواصل الاجتماعي يسبب ضرراً نفسياً واجتماعياً بالغاً للطرف المتهم وللأسرة ككل، وقد يؤدي نشر مثل هذه الاتهامات إلى التحريض على الكراهية والعنف ضد الشخص المتهم، ما يشكّل جريمة أخرى. ولذلك ننصح بعدم التورط في جريمة من هذا النوع، ويجب على الزوج أو الزوجة التي تتلقى مثل هذه الاتهامات التحقق من صحتها قبل اتخاذ أي إجراء.

ولكن هل يعاقب الشرع الرجل أو المرأة على تبادل مشاعر عاطفية عبر الوسائل الإلكترونية؟ تقول الإفتاء المصرية: «بالتأكيد يحاسب الزوج أو الزوجة على تبادل مشاعر عاطفية مع طرف آخر، فهذه الخيانة العاطفية شكل من أشكال الخيانة الزوجية. فالمعروف والمقرر شرعاً أن مشاعر الزوج العاطفية لزوجته أو زوجاته فقط، وكذلك المرأة مشاعرها العاطفية لزوجها فقط، ولو ثبتت هذه الخيانة الإلكترونية فعقوبتها تعزيرية حسب ما يراه القاضي، والتوصيف الشرعي لمن يفعل ذلك هو (الإثم)».

اقرأ أيضاً:
- الأزهر: كشف أسرار العلاقة الزوجية جريمة محرمة شرعًا
- للمتزوجين.. نصائح هامة للحفاظ على الخصوصية