القهر العاطفي لشريكة الحياة ضرر يرفضه الإسلام.. وهذا ما يجب أن تفعله الزوجة

للأسف.. بعض الرجال يتلذّذون بقهر زوجاتهم عاطفياً، بحرمانهنّ من حقوقهنّ الشرعية، وتئنّ بعض البيوت بسبب شكاوى زوجات يعشن ظروفاً نفسية صعبة، بسبب جحود وقسوة أزواجهنّ، وكثير منهنّ لا يستطعن البوح بذلك، ربما حرصاً على الستر، وخصوصية العلاقة الزوجية التي حث عليها الدين، وربما لشعور بعضهنّ بأن الحديث عن هذا الجانب يدخل في نطاق «العيب» الذي تخجل المرأة من الحديث عنه.
لكن، وسط هذا التكتم لم تتحمل أعصاب زوجة شابة عناد زوجها، وذهبت إلى لجنة الفتوى في الجامع الأزهر لتشكو قسوة زوجها وعناده، وقالت: «جئت أشكو قسوة زوجي الذي أحبّه، ولي منه طفلة، ولا أريد أن أطلب الطلاق لأتزوج من غيره، حرصاً على مصلحة هذه الطفلة التي ستكون ضحية عناد زوجي، وإصراره على تجاهل حقوقي الشرعية، لدرجة أنني شككت في ارتباطه بزوجة أخرى».
احتوى علماء لجنة الفتوى شكوى الزوجة الشابة، وحثوها على الصبر على زوجها، حتى يصلح الله حاله، ويعود إلى رشده.. وأكدوا ضرورة حضور الزوج، أو الحديث معه هاتفياً، لبيان حكم الشرع في سلوكه مع زوجته، وسمع الزوج من علماء اللجنة هاتفياً ما يكفي لكي يكفّ عن سلوكه المخالف للشرع، والمدمّر لنفسية زوجته.

زوج آثم شرعاً
بعيداً عن هذه الواقعة، سألنا العالم الأزهري د.فتحي عثمان الفقي، عضو هيئة كبار العلماء وعضو لجنة الفتوى المركزية في الجامع الأزهر، عن مدى أحقية أحد الزوجين في الامتناع عن شريك حياته من دون وجود ما يمنع من ذلك شرعاً، فأجاب «الإسلام نظم العلاقة الحميمة بين الزوجين تنظيماً دقيقاً، وجعل الاستمتاع حقاً للطرفين، لا سلطان لأحد فيه، فالمرأة من حقها الاستمتاع بزوجها، كما أن من حقه الاستمتاع بها، ولذلك أفاض الفقهاء، قديماً وحديثاً، في بيان الأحكام الشرعية المتعلقة بالاستمتاع بين الزوجين، ورفضوا كل صور الإكراه التي يتبعها بعض الأزواج مع زوجاتهم لنيل حقوقهم، كما رفضوا، ودانوا كل صور الإذلال للمرأة بالحرمان من هذا الحق الذي لا تستقيم حياة امرأة طبيعية من دونه.
بعض الرجال استعانوا بفتاوى غير منضبطة تبيح للرجل قهر زوجته في الفراش ومعاشرتها من دون النظر لاحتياجاتها النفسية وظروفها وأحوالها الجسدية
«لكن للأسف، بعض الرجال يسيئون استخدام هذا السلاح العاطفي، وفهم بعض هؤلاء أن من حقهم إكراه زوجاتهم على العلاقة الحميمة من دون رغبة، وعلِق بأذهان هؤلاء فهم خاطئ للأحاديث النبوية التي تحث المرأة على الاستجابة لزوجها لإشباع رغباته المشروعة، وكفّه عن الحرام.. بل إن بعض الرجال استعانوا بفتاوى غير منضبطة تبيح للرجل قهر زوجته في الفراش، ومعاشرتها من دون رغبة، ومن دون النظر لاحتياجاتها النفسية، وظروفها، وأحوالها الجسدية، وهذا أمر مرفوض من الناحية الشرعية، ولا يمكن أن تقرّه الشريعة الإسلامية الغرّاء التي تحترم إرادة الزوجة ومشاعرها. في مقابل ذلك، هناك صنف من الرجال يعتقدون أن من حقهم شرعاً، قهر زوجاتهم في الفراش، بحرمانهنّ من حقوقهنّ الشرعية، وهذا سلوك محرّم شرعاً، ومن يفعله من الرجال هو آثم شرعاً».
ماذا تفعل الزوجة؟
وماذا تفعل الزوجة التي يمارس زوجها معها هذا القهر النفسي بحرمانها من حقوقها؟
توضح الفقيهة الأزهرية د.سعاد صالح، أستاذة الشريعة الإسلامية في الأزهر «أولاً ننصح الزوجة بالصبر، ومحاولة تغيير سلوك زوجها معها، لو كان سلوكه ردّ فعل لتصرف أو سلوك منها، فالعناد بين الزوجين كفيل بتدمير مشاعر المودة والرحمة بينهما، وفي أغلب الأحوال يكون سلوك الزوج ردّ فعل لتصرف من الزوجة أغضبه، وأشعره بالإهانة. إما إذا لم يكن السبب تصرفاً من الزوجة دفع الزوج إلى حرمان زوجته من حقها الشرعي في الفراش، ففي هذه الحالة تستطيع أن تكشف معاناتها مع زوجها لإحدى المقرّبات منه، من شقيقاته، أو أمه مثلاً، لكي تتدخل وتحلّ المشكلة بين الطرفين، بالتعرف إلى أسبابها، وإزالة تلك الأسباب. وهنا يجوز للزوجة البوح بمعاناتها مع زوجها لعلماء في لجان الفتوى، أو عناصر نسائية في لجان فض المنازعات الأسرية. ولو لم تفلح محاولات الزوجة لصرف زوجها عن عناده وسلوكه المهمل لحقوقها، فمن حقها أن تلجأ إلى المحكمة لكي تطلقها للضرر.. فامتناع الزوج عن معاشرة زوجته من دون عذر مرضي أو شرعي، ضرر يستوجب الطلاق».
لماذا اهتم الإسلام بحق الفراش بين الزوجين؟
ولكن، لماذا أولت الشريعة الإسلامية العلاقة العاطفية بين الزوجين اهتماماً كبيراً؟
تقول د.سعاد صالح: «الإسلام أولى الجانب الحسي والنفسي بين الزوجين عناية كبيرة، وكفل لكل من الرجل، والمرأة، حقه في الفراش، حماية للمجتمع من كل أشكال العبث الأخلاقي التي تعانيها مجتمعات في كل العصور، والتي تسربت إليها بسبب ضعف الإيمان والتربية غير الأخلاقية للأجيال الجديدة، من رجال ونساء».
وتؤكد الأستاذة الأزهرية أن الحرمان من هذا الحق يؤدي إلى مفاسد كثيرة، وقد يدفع بعض الرجال، والنسوة، إلى الوقوع في براثن جريمة أخلاقية خطرة، مثل جريمة الزنا.. تلك الجريمة التي واجهها الإسلام بوسائل عدّة، نظراً لمخاطرها الدينية، والأخلاقية ،والصحية، والاجتماعية، فحثّ على الزواج ورغّب فيه، باعتباره أسلم طريقة لتصريف الغريزة الجنسية، وهو الوسيلة المثلى لإخراج سلالة يقوم على تربيتها الزوجان، ويتعهدانها بالرعاية، وكل من يعمل بتوجيهات وتعاليم شريعة الإسلام، ويتزوج ويعفّ نفسه بالحلال فهو ينجو بدينه، ويضمن استقامة دنياه، ومن يتولى ويرفض الاستجابة لنداء الحق، ويسلم نفسه للشيطان، ويعبث بالأعراض، فإنه يجلب لنفسه غضب الله، وعقابه.