بعض الآباء يتعاملون بقسوة وعنف مع أبنائهم، ويحرمونهم كثيراً من حقوقهم الشرعية، ويفرقون بينهم وبين أشقائهم في العطايا والمشاعر الأبوية.. فهل الإسلام يترك هذه السلوكات وتلك المشاعر السلبية من دون عقاب؟
سؤال توجهنا به إلى العالم الأزهري، د. نظير عياد الذي أجاب قائلاً «بداية، يجب أن يعلم الجميع أن التسوية بين الأبناء أحد أبرز الواجبات الشرعية والإنسانية على الآباء تجاه أولادهم، حتى يحموهم من العنف، ومن كل أشكال الجرائم الأسرية التي طفت على سطح حياتنا الأسرية والاجتماعية في العديد من البلاد العربية».
آباء عاقون
هل الأب الذي يتعامل مع ابنه بقسوة وعنف ويحرمه حقوقه يستحق وصف (الأب العاق)؟
أكد د. نظير عياد «نعم، بالتأكيد، هو أب عاق، ويجلب لنفسه بتصرفاته هذه تجاه فلذة كبده الإثم، والعقاب الإلهي. العقوق لا يقف عند ما يفعله الأبناء ضد آبائهم، بل يشمل أيضاً ما يفعله بعض الآباء من جحود لحقوق أولادهم، ومن قسوة مفرطة وغير مبرّرة في التعامل معهم».
ويذكّر مفتي مصر كل الآباء بأن ديننا العظيم حث الآباء على إحسان تربية أبنائهم، وجعل تربية الأبناء على الفضائل والسلوك الحميد من مسؤوليات الآباء التي سيحاسبهم الله عنها، إذا ما قصروا فيها، لكن هذه المسؤولية لا تعني أبداً استخدام القسوة مع الأبناء، فالتربية السوية تقوم على الرفق والرحمة، ولا علاقة لها بما نراه ونسمع عنه من عنف من جانب بعض الآباء ضد أولادهم، حيث لا شيء يبرر هذا العنف على الإطلاق.
أين الرحمة والرفق؟
وهل تمرّد الأبناء وعصيانهم مبرر لكي يتعامل معهم الآباء بقسوة وعنف؟
أوضح د. نظير «لقد غرس الخالق سبحانه وتعالى كل صور الرحمة والرفق في نفوس الآباء تجاه أبنائهم، ولذلك قد يصدر من الابن سلوكاً غير مرغوب فيه، تجاه أبيه، أو أمه، ولا يقابل ذلك بالمثل من الأب أو الأم، وما نراه من قسوة وعنف في سلوك الآباء والأمهات تجاه الأبناء هو حالات شاذة، ولها ظروفها الخاصة. فدائماً الوالدان يعالجان عقوق وتمرّد الأبناء بالرفق واللين، وهذا هو المطلوب شرعاً، لأن العنف يولد العناد، ولا تقوم تربية صحيحة ومثمرة على العنف.. ومعالجة عنف الأبناء وعقوقهم تجاه آبائهم لا تكون بعنف، وعقوق مثله، بل تكون بالنصيحة المخلصة، وأن نوضح للأبناء ما أمر به الله ورسوله من وجوب طاعة الوالدين، وأن طاعتهما من طاعة الله عز وجل، وأن عقوقهما وعصيانهما كبيرة من الكبائر، بل إنه يلي في بعض النصوص كبيرة الشرك بالله، وأن نتلو على أسماعهم قول الله تعالى: «واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً»، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أنبئكم بأكبر الكبائر- قالها ثلاثاً- قالوا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين. وجلس- وكان متكئاً- فقال: ألا وقول الزور. قال فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت».
كلمة للأبناء
وماذا تقولون لكل ابن يتعامل بقسوة مع والديه ويبرر ذلك بقسوة الأب؟
قال مفتي مصر «يجب أن يحذر هؤلاء الأبناء عقاب الخالق سبحانه، ومهما فعل الأب، أو خرج عن هدى الإسلام في التعامل مع أبنائه لا يجوز شرعاً ردّ قسوته بمثلها، ولا الاعتداء عليه بما يؤذي مشاعره، أو يسبب له أذى بدنياً، أو يؤدي إلى إزهاق روحه، كما نقرأ من وقت لآخر في أخبار وقصص الجرائم التي تطالعنا بها وسائل الإعلام».
وهنا يوجه د. نظير عياد عتاباً لكل أب، أو أم، يقسوان على بعض أبنائهما، أو يحرمانهم من حقوقهم الشرعية، «كما أوجب الإسلام حقوقاً للآباء والأمهات على أولادهم، أوجب أيضاً حقوقا للأبناء على الآباء لا يجوز التقصير فيها، بل اعتبرها الإسلام من الواجبات حرصا على الأبناء وحماية لهم حتى يصبحوا بالغين وقادرين على تحمل المسؤولية.
والواجبات التي ألزمت الشريعة الإسلامية بها الآباء تجاه أبنائِهم كثيرة ومتنوعة، وتفي بحقوق الأبناء منذ نعومة أظفارهم، ولم يجعل الله تعالى هذه الواجبات تبعاً للعواطف والغريزة الفطرية، وإنما نظّمها بقوانين وأحكام ملزمة، تحفظ للأبناء جميع حقوقهم؛ من تربية جيدة، وتنشئة على أسس دينية وأخلاقية، وحفظ نسبهم، والإشراف على أموالهم، فإن أحسنَ الآباء كان لهم الأجر والثواب من الله، وإن أساؤوا فسيُحاسبون على تقصيرهم أمام الله سبحانه وتعالى».
أقبح العقوق
هل الأب الذي يوزع ممتلكاته وأمواله على بعض أبنائه دون البعض الآخر يعتبر عاقاً؟
أشار مفتي مصر «نعم، هذا عقوق، فما يمتلكه الأب يوزع بعد وفاته كميراث وهو حق لكل الأبناء، ولا يجوز لأب توزيع ممتلكاته على بعض أبنائه حال حياته، لكي يحرم منها بعضهم لعدم رضاه عنهم، وتوصيفهم من وجهة نظره بأنهم (عاقون). يجب على كل أب أن يترك ممتلكاته وثروته لتوزع بعد مماته على أولاده، وباقي الورثة، توزيعاً شرعياً وفق ما قرره الخالق سبحانه وتعالى، ويفوّض أمر أبنائه الذين يرى في سلوكهم عقوقاً إلى الله عز وجل، ويسأله الله أن يهديهم، ويبدل أحوالهم من العقوق إلى البر، وكم رأى آباء في سلوك بعض أبنائهم عقوقاً وهداهم الله وبدل أحوالهم».
اقرأ أيضاً: خبراء نفسيون يحذرون: قسوة الأب تدمر مستقبل الأبناء