06 يوليو 2025

أخلاقك في سفرك.. تعاليم دينك توفر لك كل مكاسب السياحة

محرر متعاون

مجلة كل الأسرة

قبل أن تحزم حقائبك وتستعد للسفر للسياحة، وقضاء وقت ممتع في مكان آخر غير الذي تعيش فيه، استحضر تعاليم وآداب دينك، لتصاحبك في كل خطوة تخطوها، وفي كل مكان تحل فيه، فتعاليم الإسلام وآدابه توفر لك صورة أخلاقية راقية، وتجعلك محل قبول وترحاب من الجميع، وتضبط سلوكك العام، وتحفظ أمنك ونقودك، وتعيدك إلى بلدك بعد رحلة سياحية رائعة سعيداً، غانماً، مكتسباً كل فوائد السفر، وما أكثر وأعظم تلك الفوائد، والمكاسب.

سألنا عدداً من كبار علماء الإسلام عن أخلاقيات السفر للسياحة، وكيف يعود الإنسان منها بأعظم المكاسب، ويترك أثراً طيباً لدى كل من يلتقي بهم خلال جولاته السياحية.. فكانت هذه النصائح والوصايا:

مجلة كل الأسرة

فوائد ومكاسب السفر

يقول العالم الأزهري د.شوقي علام، مفتي مصر السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية، «فوائد السفر عموماً كثيرة، ومتنوّعة، فقد يكون السفر لأداء عبادة، مثل الحج والعمرة، أو يكون للتعلم، أو التدريب، والتأهيل، وقد يكون للعمل، وقد يكون السفر للعلاج، وقد يكون للسياحة والتعرف إلى أماكن، وأشخاص آخرين.. وفي كل هذه الرحلات فوائد ومكاسب لا تحصى. لذلك على الإنسان أن يؤهل نفسه جيداً للاستفادة من رحلة السفر حتى يعود منها بأعظم المكاسب، وفي الحديث الذي رواه الطبراني: «سافروا تصحوا وتسلموا»، وقد قال ابن بطوطة: «السفر يجعلك رائعاً في سرد القصص والذكريات»، وقال الإمام الشافعي: تغرّب عن الأوطان في طلب العلى.. وسافر ففي الأسفار خمس فوائد».

ويوضح د.علام أن مكاسب السفر ترتبط بأهدافه، فكلما كانت الأهداف مشروعة؛ كانت النتائج جيدة، والثمار طيبة. أما هؤلاء الذين يسافرون من أجل العبث الأخلاقي فالنتائج كارثية، والأمثلة على ذلك كثيرة، ومتنوّعة.

لذلك، حين نحزم حقائبنا استعداداً للسفر، سواء للسياحة، أو العمل، أو حتى العلاج، فإننا لا ينبغي أن نشغل أنفسنا بما نحمله معنا من أموال، أو ملابس ومتعلقات شخصية، بل نشغل أنفسنا بالأهم، وهو أن نحمل معنا صورة ديننا، وأخلاقنا، وهويتنا.

ويضيف «المسلم أينما حلّ وارتحل هو سفير لدينه، ووطنه، ينقل برسالة صامتة قيم الإسلام، وتعاليمه الراقية من خلال سلوكه وتعامله مع الناس، في المطارات، والشوارع، والمطاعم، أو حتى في الفنادق، ومراكز التسوّق، والمتنزهات العامة».

مجلة كل الأسرة

أخلاقك في سفرك

ويقدم مفتي مصر السابق نصائحه لكل العائلات العربية التي تسافر للسياحة، أن تحرص على النظام، وتحترم القوانين، وتتحدث مع أهل البلاد التي تزورها وكل المتعاملين معها بهدوء، وأن تحافظ على نظافة المكان، وتُعامل الآخرين بلطف وابتسامة «هذه التفاصيل الصغيرة تُحدث أثراً كبيراً، وتجسد صورة المسلم الحقيقي التي تتجسد في سفره، وعلاقاته بالآخرين خلاله».

ويضيف «التزام الإنسان الديني لا ينبغي أن يتغير تبعاً المكان الذي يرحل إليه، فالمسلم الحق لا يترك صلاته في السفر، ولا يتخلى عن حشمة ملبسه، ولا يُفرّط في مبادئه، مهما كان البلد الذي يزوره.. هو إنسان متوازن، نفسياً وأخلاقياً، معتدل في سلوكه العام، يحترم العادات المحلية من دون أن يذوب فيها، أو يتصادم معها».

ويذكّرنا د.علام بالتجار المسلمين الذين نشروا الإسلام في ربوع العالم بسلوكاتهم الحضارية أثناء سفريّاتهم الكثيرة، وأيضاً الرحالة العرب الذين تركوا بصمات في كل مكان رحلوا إليه، أو مروا به «عندما يكون الإنسان المسلم مثالاً في التراحم والاحترام، فإنه يجذب الأنظار إليه من دون أن يتكلم. ولذلك فالأب الحنون، والأم الصبورة، والأبناء المهذبون يؤثرون في كل من يلتقون بهم أثناء سفرهم، وهذا المشهد وحده قد يكون أعظم دعوة غير مباشرة إلى الإسلام».

مجلة كل الأسرة

السياحة في البلاد غير الإسلامية

هل تجوز السياحة في البلاد غير الإسلامية؟

يسأل البعض عن السياحة في البلاد غير الإسلامية.. هل تجوز؟ يجيب د.محمد فتحي عثمان، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، «السفر للسياحة قد يكون مباحاً، وقد يكون حراماً، بصرف النظر عن المكان الذي تسافر إليه، إذا ما كان بلداً إسلامياً، أو غير إسلامي. فلو كان هدف السفر هو الاستمتاع وتجديد النشاط، وإراحة البدن من دون ارتكاب مخالفات شرعية، ومن دون اقتراف ما نهى الله عنه، فلا حرج في هذا السفر، ولو كان إلى بلد غير إسلامي. أما لو كان هدف السفر هو تلبية أهواء ورغبات النفس من دون قيود، أو ضوابط، وصاحب هذا السفر ارتكاب ما نهى الله عنه؛ فالسفر هنا حرام، ولو كان إلى بلد إسلامي».

ويواصل «السفر بوجه عام، تعرض له الأحكام الخمسة؛ فمنه ما هو طاعة واجبة؛ كالسفر للحج، ومنه ما هو طاعة مندوبة؛ كزيارة مريض، ومنه ما هو معصية؛ كالسفر لارتكاب المحرمات، ومنه ما هو مكروه؛ كالسفر لأمر مكروه، ومنه ما هو مباح؛ كالسفر للتجارة، أو النزهة. ولذلك فإن السفر إلى بلاد غير المسلمين يختلف الحكم فيه بحسب حال المسافر، والغرض من سفره، والباعث عليه، ومدى قدرته على إظهار دينه.

وعموما فإن القول بجواز السفر إلى البلاد غير الإسلامية لا بد له من ثلاثة شروط أساسية:

الأول: أن يكون سبب السفر والباعث عليه ليس أمراً محرماً.
الثاني: أن يأمن المسافر على دينه، ونفسه، وعرضه، فإن انتفى ذلك حرّم عليه الذهاب، والأمن على الدين معناه الأمن من أن يكره على ترك دينه، أو فعل المحرمات القطعية.
الثالث: أن يتمكن من إظهار دينه هناك؛ بحيث يقوم بشعائر الإسلام من دون ممانع، وهي الواجبات الشرعية التي لا خلاف عليها كالصلاة والصيام».

وينتهى عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر إلى أن «السياحة النظيفة» التي تخلو من المحرمات «مشروعة»، سواء أكانت في بلد إسلامي، أم غير إسلامي.

مجلة كل الأسرة

لا تكن سائحاً مزعجاً

من جهته، يؤكد العالم الأزهري د.عبدالله مبروك النجار، العميد الأسبق لكلية الدراسات العليا بالأزهر وعضو مجمع البحوث الإسلامية، أن تعاليم الإسلام وآدابه تصنع التحضر، والرقيّ السلوكي في كل مكان يحل به الإنسان، أو يرحل إليه. لذلك تأتي آداب السفر والترحال والتنزه لتؤكد رقيّ هذا الدين، وضبطه لسلوك الإنسان، فهذا الدين العظيم ينمّي في أتباعه كل سلوك جميل، وكل تصرف راقٍ، وكل تعامل متحضر.

ويضيف «لذلك نقول لكل سائح، عربي أو مسلم، يحل في بلاد غير بلده أن يكون نموذجاً للالتزام بتعاليم دينه، فالإسلام يعلمنا الذوق الرفيع، ويزرع فينا الإحساس الراقي، والتعامل الكريم مع الآخرين؛ بحيث يتحقق لهم الرضا بعد القبول والارتياح، ويدفعهم ذلك إلى مبادلتنا بما هو أرقى، وأفضل، وأكرم، وأكثر نبلاً».

ويخاطب د. عبد الله مبروك كل سائح عربي «لا تكن سائحاً مزعجاً، فدينك أرسى قواعد السلوك المتحضر، ولا غرابة أن يفعل ديننا ذلك، فهو يهذب سلوك أتباعه بتكاليفه الدينية، وتربيته الأخلاقية، ويقوّمهم بآدابه، ويربّيهم على حسن الخلق، والتعامل الراقي المتحضر مع كل خلق الله.. لا فرق في ذلك بين مسؤول كبير وإنسان بسيط، ولا بين غني وفقير، فالمسلم مطالب بأن يتعامل مع المحيطين به بأدب، حتى يجد منهم القبول والرضا، أولاً، ثم التعاون، والتعاضد، والحرص على المصلحة ثانياً، ثم بعد ذلك يكون قدوة طيّبة لهم في سلوكه، وأخلاقه، وتعاملاته».

التزام قانوني وأخلاقي

ولكن هل من حق السائح أن يفعل ما يريد في البلد الذي يزوره وفق تعاليم دينه وثقافته وتقاليده؟ يجيب د.شوقى علام «يجب على كل من أراد دخول دولة من الدول أن يلتزم بالقوانين، والتنظيمات، واللوائح التي تنظم عملية الدخول إليها، والخروج منها، ولا يجوز له أن يتجاوز هذه القوانين واللوائح؛ سواء كان من رعايا تلك الدولة، أو من غيرهم.

كما لا يجوز للسائح أن يفعل في بلد ما كل ما يحلو له، بل هو مطالب، شرعاً، بالالتزام بما تحدّده تلك الدولة من نظام عام، ومن سلوكات، مقبولة أو مرفوضة «فاحترام النظام العام للدولة التي نذهب للسياحة فيها أمر واجب شرعاً، والمسلم كما هو مطالب باحترام أنظمة الدولة التي يعيش فيها، وما تقرره من لوائح وضوابط تحكم السلوك العام، هو مطالب أيضاً باحترام أنظمة الدولة التي يذهب إليها سائحاً، أو زائراً، فلا يجوز لشخص أن يخالف قانوناً، أو يخرج على نظام لمجرد أن هذا القانون لا يتفق مع تطلعاته، وأهدافه، وطموحاته. ديننا يغرس فينا قيمة احترام النظام العام لكل الدول التي نذهب إليها، ويلزمنا باحترام قوانينها، وما تقرّه من سلوكات في الأماكن العامة».

مجاملة مشروعة

وهل يجوز خلال الرحلات السياحية مجاملة غير المسلمين، ومجالستهم، وتقديم التهنئة لهم في مناسباتهم المختلفة؟ تقول دار الإفتاء المصرية: «الإسلام دين كله سلام، ورحمة ،وبر، وصِلة، وقد أمر أتباعه بالإحسان إلى الناس جميعاً، بشتى صوره، فأمرنا الله عز وجل أن نقول الحسنى لكل الناس من دون تفريق؛ لعموم قول الله تعالى: «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً»، وأمرنا الله بالإحسان دائماً؛ قال تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ»، كما أن الله لم ينهنا عن بِر غير المسلمين، ووصلهم، وإهدائهم، وقبول الهدية منهم، وما إلى ذلك من أشكال البِر بهم؛ قال تعالى: «لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوَهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ»، فالوصل، والإهداء، والعيادة، والتهنئة، والمعاملة الإنسانية الطيبة لغير المسلم تدخل في باب الإحسان الذي حثنا عليه الإسلام.. وقد نص الفقهاء على جواز تهنئة غير المسلمين بأعيادهم؛ ما دام هذا من قبيل الخلق الحسن المأمور به شرعاً، من غير أن يقترن ذلك بتقليدهم في أعيادهم.

والإسلام لا يأمر أبداً بمعاداة المخالفين لنا في العقيدة الذين نلتقي بهم في كل مكان نذهب إليه، وعدائهم، وبغضهم، بل أمر ببذل البِر والإحسان إلى الجميع. وهناك فرق كبير بين أن يتخلى المسلم عن دينه، ويقلّد غير المسلمين في طقوس عقائدهم، وبين كما أمره الله؛ بحيث يُفَضِّل أن يُلقَى في النار على أن يترك الإسلام، وبين أن يكره الناس، ويكره جيرانه، وبعض أفراد مجتمعه ويعاديهم لأنهم كفار؛ فهذا المعنى الفاسد من الكراهية المقيتة لا علاقة له بالإسلام ولا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا بحضارة الإسلام التي نشرت السلام في ربوع الدنيا، فالإسلام لم يأمرنا بكراهية الخلق، بل أمرنا ببرّهم لأنهم خلق الله، ولأن الإنسان بنيان الربّ فإن من هدمه ملعونٌ؛ لأن الله خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، فاحترام الإنسان من حيث هو صفةٌ ملائكية، ولذلك أمرنا الله تعالى بحب الناس، وصلة الأرحام، وحسن المعاملة، ودماثة الخلق، والكلام الجميل، والابتسامة الودود، والعشرة الطيبة، وبهذا انتشر الإسلام شرقاً وغرباً، وغزا قلوب الناس بالحب».