الأسماء الغريبة والشاذة للأبناء في عالمنا العربي باتت أكثر من ذي قبل، وضحايا ذلك من الأبناء كثيرون، ورغم التوجيهات الدينية التي يقدمها العلماء للآباء والأمهات بحسن اختيار أسماء أولادهم فإن الانسياق وراء تغريب الهوية العربية أقوى.
لذلك ذهبنا إلى عدد من كبار علماء الأزهر لنتعرف منهم إلى التوصيف الشرعي لسلوك الآباء والأمهات الذين يستهينون بأسماء أولادهم ويختارون لهم أسماء بعضها لحيوانات أو حشرات، أو ذات معانٍ لا تليق بالإنسان!!
الاسم الحسن مطلب ديني
يقول د. شوقي علام، مفتي مصر السابق وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر: «الاسم الحسن -في منظور ديننا- تكريم للمولود؛ لأنه يعرف بالاسم ويُميز به عن غيره، فهو مطلب شرعي؛ لقول الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}، وقد وصف بعض العلماء التسمية الحسنة للأبناء بأنها من الواجبات».
ويضيف: «لقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتحسين الأسماء، وأخبر بأن الناس يُدعَوْن بها يوم القيامة؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ؛ فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُم». والمراد بتحسين اسم المولود الذي أمرت به الشريعة هو ألا يكون الاسم قبيحاً، ولا مخالفاً للشريعة؛ فالأصل جواز التسمية بأي اسم، إلا ما ورد الشرع بالنهي عنه أو عن جنسه؛ كأن يَحْمِلَ معنى قبيحاً، أو يكون مختصاً بالله تعالى بحيث لا يُطْلَق إلا عليه سبحانه؛ كاسم «الله»، و«الرحمن». وتحسين الاسم من الفأل الحسن والتيمن الممدوح من أن يكون المولود إنساناً فاضلاً صالحاً متّسِماً بجميل الصفات الإنسانية».
طالما أن الشرع أطلق حرية اختيار الأبناء.. فلماذا يفرض بعض علماء الإسلام وصاية على الأسر في اختيار أسماء أولادهم؟
يوضح مفتي مصر السابق: «لا توجد وصاية على الأسر العربية في اختيار أسماء أولادهم بدليل أن الأسماء الغريبة انتشرت في كل البلاد العربية، وأصبحت الآن محل شكوى من كثير من العلماء والأساتذة المعنيين بالهوية. نحن لا نملك إلا النصيحة حرصاً على مستقبل الأبناء، وحرصاً على الهوية العربية الإسلامية التي تتلاشى الآن وتحتاج إلى نصائح وتوجيهات الجميع. وعلى كل الآباء والأمهات أن يدركوا أن استمرار الأسماء الغريبة للأبناء -ذكوراً وإناثاً- يهدد الهوية العربية الإسلامية لمجتمعاتنا، ففوضى أسماء الأماكن والمنشآت والمحال التجارية ومعها أسماء الأولاد ذكوراً وإناثاً تمثل مشكلة كبيرة تهدد الهوية العربية الإسلامية لبلادنا، وهي من مظاهر الغزو الثقافي لمجتمعات المسلمين، ورغم التحذير المتواصل منها فإنه لا حياة لمن تنادي؛ لأن بعض الأسر تعتبر الأسماء العربية الإسلامية التي عرفت بها مجتمعاتنا من مخلفات الماضي ومن آثار عصور التخلف».
آباء ظالمون
وكيف ينظر الشرع إلى الأب أو الأم الذي يختار اسماً مسيئاً لابنه؟
يبين د. شوقي علام: «من يفعل ذلك فهو ظالم لابنه، فالآباء والأمهات الذين لا يحسنون تسمية أولادهم يرتكبون جرماً كبيراً في حقهم، ويفرطون في حق من أهم حقوق الصغار، فمن أبرز الحقوق التي كفلها الإسلام للطفل حقه في اختيار اسم حسن، فهو في طفولته لا يملك من أمر نفسه أو اسمه شيئاً، وإنما يختار الأبوان له اسمه، ولذا كان حقاً له أن يختار أبواه له اسماً حسناً لا اسماً سيئاً أو مكروهاً يتحرّج منه بعد ذلك عندما يكبر. وقد أكدت العديد من الدراسات النفسية والتربوية أن للاسم أثراً نفسياً يعود على الطفل بعد ذلك، ومن أجل هذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد أحداً يحمل اسماً كريهاً أو قبيحاً غيّره في الحال، فقد نقلت لنا السيدة عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغير الاسم القبيح.
والخلاصة هنا أن الإسلام يُلزم الآباء باختيار الأسماء الحسنة لأبنائهم، وقد جاء في الحديث الصحيح قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنكم تُدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم، فحسّنوا أسماءكم»، وفي حديث آخر يقول: «من حق الولد على الوالد أن يحسن أدبه ويحسن اسمه»، وجاء في توجيه نبوي ثالث قوله عليه الصلاة والسلام: «من ولد له ولد فليحسن اسمه وأدبه، فإذا بلغ فيزوجه، فإن بلغ ولم يزوجه فأصاب إثماً فإثمه على أبيه».
وقد أكدت كتب السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحث على الاسم الحسن، فكان يأمر إذا بعثوا إليه رسولاً أن يكون حسن الاسم، حسن الوجه، وحدث أنه غيّر أسماء عدة، ونهى عن بعض الأسماء لمعانٍ وأسباب متعددة. وكل اسم يحمل صفة جميلة أو معنى نبيلاً فهو اسم حسن، وكل اسم يدل على النبل والشجاعة والكرم هو اسم حسن، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أحب الأسماء إلى الله عبدالله وعبد الرحمن»، وورد عنه أيضاً أنه عليه الصلاة والسلام قال: «تسمّوا بأسماء الأنبياء، وأحب الأسماء إلى الله عبدالله وعبد الرحمن، وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها مرة وحرب»، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك».
وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم غير اسم (عاصية)، وقال لمن سميت بهذا الاسم (أنت جميلة)، وورد في حديث صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير اسم العاصي، وعزيز، وعتلة، وشيطان، والحكم، وغراب، وحباب، وشهاب».