09 يونيو 2025

بعد أزمة سيدة التعليم الأولى في مصر مع أحفادها.. هل يجوز توزيع التركة قبل الوفاة؟

محرر متعاون

مجلة كل الأسرة

فرضت أزمة السيدة نوال الدجوي -رائدة التعليم الخاص في مصر- مع أحفادها بسبب الخلاف على الميراث وما تبع ذلك من انتحار حفيدها حالة من الحزن والأسى على المجتمع المصري، وخلقت حالة من الجدل الديني والاجتماعي حول جدوى توزيع الثروات والممتلكات على الأبناء والأحفاد حال وجود الآباء -أصحاب تلك الأموال- على قيد الحياة.

لذلك ذهبنا إلى عدد من كبار علماء الأزهر نستطلع رأيهم الشرعي في هذا الأمر:

توزيع التركة قبل الموت غير جائز شرعاً

بداية، سألنا العالم الأزهري د. نصر فريد واصل، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي مصر الأسبق، عن مشروعية توزيع الثروات والممتلكات على الأبناء والأحفاد قبل الموت، فقال: «توزيع التركة قبل الموت غير جائز شرعاً؛ وذلك لأن موت المورث شرط أساسي من الشروط التي وضعها الإسلام للإرث».

وأضاف: «إذا وزع الرجل تركته حال حياته قد يأخذ الورثة التركة كلها ثم يتركون صاحب المال بلا رعاية ولا مأوى، وفي هذه الحالة يقع ما لا يُحمد عقباه.. وقد يولد لهذا الرجل بعد التوزيع ولد آخر، وفي هذه الحالة يكون قد ظلم هذا الولد في الوقت الذي يؤمر فيه بالتسوية بين أولاده».

بعض الآباء يلجؤون إلى توزيع ثرواتهم وهم أحياء حتى لا يختلف الورثة ويتصارعوا على الميراث ويظلم بعضهم بعضاً.. هل هذا المبرر كافٍ للتوزيع قبل الوفاة؟

أوضح مفتي مصر الأسبق «لا.. هذا ليس كافياً، بدليل ما حدث بين أسرة الدجوي من خلافات وصراعات وقضايا متبادلة، وما حدث من قبل لأحد الفنانين الذي وزع ثروته على أولاده وهو على قيد الحياة ثم اختلف الأولاد ورفعت ابنته دعوى قضائية عليه في المحكمة، وسبّب هذا الأمر له ألماً شديداً. والوقائع من هذا النوع كثيرة، ولا تتوقف المشاجرات والمشاحنات بين الأسر بسبب ذلك. ومن هنا علينا أن نعود إلى شرع الله ونترك موضوع الميراث لوقته الشرعي، فبعد وفاة الإنسان سيتوارث المستحقون للتركة، ويأخذ كل منهم نصيبه وفقاً لما قرره الخالق سبحانه.. {ولا يظلم ربك أحداً}. ما نراه الآن من خلافات ومشاحنات بين الأسر بسبب توزيع الثروات أثناء حياة الإنسان يحمل كثيراً من العبر والعظات لكل من يفكر في هذا الأمر».

هبات وعطايا مبررة

وما الحكم لو منح الآباء والأمهات بعض أولادهم هبات وعطايا لقضاء مصالحهم وتلبية رغباتهم وهم على قيد الحياة؟ هل هناك ضوابط شرعية لهذا الأمر؟

قالت دار الإفتاء المصرية: «من حق الأب أو الأم أن يمنحا أولادهما من ممتلكاتهما «عطايا وهبات» كيفما يشاءان لكن بشرط العدل بينهم، ولا يميلا تجاه أحدهم أو بعضهم إلا إذا كان لديهما المبررات المشروعة لذلك، كأن يكون أحد الأبناء غير متعلم وإخوته متعلمون ولهم وظائفهم التي تدر عليهم دخلاً، أو يكون الابن مريضاً ويحتاج لتكاليف علاج، أو يكون بلا دخل يكفيه ليعيش كريماً وسط الناس.. وهكذا».

وكيف تنظرون إلى قضايا الحجر على الآباء التي يرفعها بعض الأبناء لمنعهم من توزيع ثرواتهم على بعض الورثة أو الأقارب؟

«هذا سلوك يحمل كثيراً من الجحود والتمرد على الآباء، وهو شكل من أشكال العقوق، وقد يكون نتيجة طبيعية لما نطالب به وهو ترك الأموال والممتلكات لتوزع على مستحقيها بعد الوفاة. ولو التزم كل إنسان بتعاليم الدين في جمع الأموال وإنفاقها لما حدثت مشكلات أو تجاوزات مما يحدث في عالمنا المعاصر. وكلنا قرأنا قصة الإخوة الذين اعتدوا على جثمان شقيقهم أثناء دفنه بسبب كتابته كل ثروته لبناته وزوجته قبل وفاته لكي يحرم باقي الورثة. كل هذه القصص ينبغي أن نأخذ منها العبرة والعظة».

نصيحة للآباء والأبناء

يقول مفتي مصر الأسبق «نصيحتي للجميع من آباء وأمهات: ترك موضوع توزيع الثروات لوقته الطبيعي بعد الوفاة حتى لا يحدث ما يؤلمهم في حياتهم، ولا خوف على الأبناء أو باقي الورثة هنا، لأن كل واحد منهم سيأخذ نصيبه الشرعي الذي حدده الخالق سبحانه، وهو سبحانه من أسمائه «العدل»، وهو العليم بأحوال عباده وما يصلحهم وما يفسدهم.

ونصيحتي للأبناء: تحاوروا مع آبائكم ولا تفكروا في رفع قضايا حجر على تصرفاتهم، واعلموا أن من حق الإنسان «شرعاً وقانوناً وعرفاً» أن يتصرف في ماله طالما كان في وعيه ورشده، ويدرك ما يفعل، حتى ولو تبرع بكل ماله للفقراء وأصحاب الحاجات. أدرِكوا أن الإنسان الذي يعرف تعاليم دينه جيداً لا يضيع أولاده ولا يتخلى عن أمواله ليترك أولاده يتكففون الناس».

لا تحرموا ورثتكم

ولكن بعض الناس يتصرفون في أموالهم حال حياتهم بالسفه انتقاماً من أبنائهم لعدم رضاهم عنهم ولعدم برهم بهم.. ما ميزان هذا السلوك شرعاً؟

أكد د. واصل «المال مال الله عز وجل، والإنسان مجرد مستخلف عليه، والله سبحانه وتعالى حدد لنا مجالات الإنفاق الشرعية، وجعل من صفات عباد الرحمن الاعتدال في الإنفاق فقال في وصفهم: {والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً}، فالأموال والممتلكات هي ملك لله سبحانه وتعالى ويجب أن نتصرف فيها وفق ما علّمنا الله عز وجل حتى لا يسألنا عنها يوم القيامة: من أين اكتسبناها؟ وفيم أنفقناها؟ والخلاصة، إذا كان من حق الإنسان أن ينفق أمواله أو يوزعها كيفما يشاء فهو ليس مطلق الحرية هنا، ويجب أن يكون عادلاً وواضعاً للمال في موضعه الحلال، فلا ينفقه في حرام، ولا ينفقه ليحرم بعض أبنائه من حقهم بعد موته، ولا ينفقه كيداً في أولاده حتى ولو كانوا غير بارين به».