كيف نعيد لـ«سنّة التكبير» بهاءها وسط عالم مزدحم بالانشغالات وفي خضمّ روتين يومي مليء بالمهام والمسؤوليات؟
هذا السؤال يطلّ بنا على هذه السنّة الجميلة وأهمية إعادة إحيائها بالتزامن مع عيد الأضحى المبارك وفي كل زمان ومكان، حيث تحمل هذه السنّة الكثير من المعاني الروحانية العميقة.
في هذا الصدد، يجيبنا الدكتور محمد عيادة الكبيسي، كبير مفتين في إدارة الإفتاء في دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي، عن كيفية إحياء سنة التكبير وإدخالها في تفاصيل حياتنا اليومية، وكيفية تعليم أبنائنا هذه السنّة عملياً.
يجيب د. الكبيسي: «التكبير في العيد سنّة من سنن الإسلام، أمر الله تعالى به المسلمين، فقال: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} «الحج: 28»، وهي أيام العشر من ذي الحجة، وقال الله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} «البقرة: 203»، وهي أيام التشريق، فالتكبير يبدأ من دخول شهر ذي الحجة، وينتهي في آخر أيام التشريق.
والمسلم يحرص بعد أداء الفرائض على أداء السنن والإكثار منها، فهذا من أبواب التقرب إلى الله تعالى، إلى أن يصل المسلم إلى المحبة، فيحبه الله تعالى ويرضى عنه. يقول الله تعالى: «ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه». فينبغي للمسلم أن يحرص على إحياء سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ينشغل عنها أو يتهاون في أدائها، وأن يوازن بين متطلبات الحياة ومشاغلها، وبين الغاية العظمى في الوصول إلى مرضاة الله ومحبته، وممّا يساعد على إحياء هذه السنة المباركة أن يستحضر الإنسان النية في قلبه، وأن يتذكر ثواب الذكر، ومقامه عند الله تعالى، وأنه يذكره في الملأ الأعلى عنده، وأن يعوّد نفسه التكبير، ويذكّر نفسه وأهله به، ويستغل أوقات الفراغ في ذلك».
ما أفضل وقت للتكبير خلال اليوم؟ وهل يجوز ترديده أثناء أداء المهام مثل قيادة السيارة أو العمل المنزلي؟
يؤكد د. محمد الكبيسي: «لا يوجد وقت محدد للتكبير أثناء اليوم، هذا بخصوص التكبير المطلق، وأما التكبير المقيد فوقته بعد أداء الصلوات. ويجوز ترديد التكبير أثناء أداء المهام المعتادة مثل قيادة السيارة أو العمل المنزلي، وأثناء أداء الأعمال الروتينية التي لا تحتاج إلى تركيز. فلا حرج في الاستفادة من الوسائل الحديثة في نشر سنة التكبير في الأيام المباركة، ولا حرج في استخدام مكبرات الصوت لبث التكبير وحث الناس عليه، فهذا فيه تذكير للناسي، وتنبيه للغافل واللاهي. لكن ينبغي ضبط صوت المكبرات حتى لا تؤذي الناس أو تزعجهم، كما لا ينبغي رفع الصوت بطريقة تشوش على الناس أو تفسد عليهم أعمالهم، أو في أماكن فيها مرضى أو من يريد أن يرتاح أو ينام، ونحو ذلك، فدفع الضرر مقدم. وكذلك لا حرج في استخدام الهواتف ووسائل التواصل الاجتماعي لتذكير الناس وحثّهم، دون مبالغة أو إزعاج، وهذا من باب التذكير بالخير والعمل الصالح والتعاون على الخير، {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ} «الغاشية: 21».
وما الفرق بين التكبير المطلق والمقيد؟ وكيف يمكن للمسلم غير المتفرغ تنظيم وقته ليؤدي كليهما؟
يوضح كبير مفتين: «التكبير في عيد الأضحى نوعان؛ التكبير المقيّد، والتكبير المطلق.
التكبير المقيد مرتبط بالصلوات الخمس، ويكون بعد الفراغ من كل الصلاة من الصلوات، وذلك من صلاة الفجر في يوم عرفة (وعند بعض الفقهاء من صلاة الظهر)، إلى صلاة العصر في آخر أيام التشريق، أي اليوم الثالث بعد يوم العيد.
وأما التكبير المطلق فغير مرتبط بوقت أو زمان أو مكان، فيكون في جميع الأوقات وجميع الأماكن التي تصلح للتكبير، وذلك من أول شهر ذي الحجة إلى غروب الشمس في آخر أيام التشريق. وممّا يساعد المسلم على أداء هذه الشعيرة أن يعوّد نفسه المواظبة على التكبير والذكر، ويمكنه أن يربط التكبير بأوقاته ونمط حياته، مثل: أوقات الصلوات، وعند المشي إلى المسجد، وفي أوقات فراغه، وفي الطريق، وأثناء الانتظار، وأثناء المشاوير، وهكذا».
وكيف يمكن للأهل أن يربّوا أبناءهم على هذه السُّنة عملياً؟
يشرح د. محمد عيادة الكبيسي: «من أفضل الوسائل في تربية الأبناء وتعويدهم إحياء هذه السنة المباركة القيام بالتكبير وذكر الله أمامهم، لأن الأطفال يتعلمون بالملاحظة ويقلّدون، فالتربية بالتطبيق الفعلي والقدوة العملية ترسّخ هذه المعاني في نفوس الأولاد.
كما ينبغي أن يبينوا لهم معنى التكبير وفضل الذكر وثوابه، ثم حثّهم على ممارسته ليرتبط العيد في ذاكرتهم بالتكبير، كما يمكن تشجيعهم ومدحهم، وتحفيزهم بالمكافآت أو الجوائز، مع أهمية تعليمهم أن التكبير يربطهم بالله تعالى ويوصلهم إلى محبة الله ومرضاته، ويجلب السكينة في قلوبهم والطمأنينة والراحة في حياتهم».