في أيام عيد الأضحى المبارك يحرص كثيرون على أداء شعيرة الأضحية سنوياً إذا كانوا مقتدرين، لكون فضلها عظيماً، في حين قد تعوق عواملُ آخرين عن أدائها. وتعتبر الأضحية شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام، وتعبّر عن العطاء والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى.
في هذا الصدد ثمة أسئلة كثيرة تدور حول: من تجب عليه الأضحية وحكم الاشتراك فيها؟ وما حكم قص الشعر والأظفار للمضحي؟ وهل عدم الالتزام بالقص ينقص من الأجر والثواب للمضحي؟ أسئلة متعددة نستقصي إجاباتها مع الدكتورة بشرى الجسمي، مفتية أولى في إدارة الإفتاء في دائرة الشؤون الإسلامية في دبي.
تجيب د. بشرى الجسمي: «الأضحية هي ما يذبح من بهيمة الأنعام -في أيام العاشر والحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجة- تقرّباً إلى الله عز وجل، فمن ترك الأضحية مع قدرته عليها فقد فاته أجر عظيم وثواب كبير. وقد اختلف العلماء في حكمها على قولين:
الأول: أنها سنة مؤكدة في حق الموسر في كل عام، وهذا قول الجمهور، ومن أدلتهم قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره». رواه مسلم. وقوله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث هن علي فرائض ولكم تطوع: النحر والوتر وركعتا الضحى». أخرجه الحاكم. واستدلوا أيضاً بما رواه البيهقي وغيره بإسناد حسن عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما كانا لا يضحيان مخافة أن يظن أن الأضحية واجبة.
الثاني: أنها واجبة في كل عام، وهو قول الحنفية، ومن أدلتهم قوله صلى الله عليه وسلم: «من وجد سعة ولم يضحّ فلا يقربن مصلانا». رواه أحمد، وابن ماجه، والدارقطني، والحاكم. يقول الإمام النووي في المجموع (8/277): «فرع في مذاهب العلماء في الأضحية: ذكر مذهبنا أنها سنة مؤكدة في حق الموسر، ولا تجب عليه، وبهذا قال أكثر العلماء، وممن قال به أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وبلال، وأبو مسعود البدري، وسعيد بن المسيب، وعطاء، وعلقمة، والأسود، ومالك، وأحمد، وأبو يوسف، وإسحاق، وأبو ثور، والمزني، وداود، وابن المنذر. وقال ربيعة، والليث بن سعد، وأبو حنيفة، والأوزاعي: واجبة على الموسر إلا الحاج بمنى. وقال محمد بن الحسن: هي واجبة على المقيم بالأمصار، والمشهور عن أبي حنيفة أنه إنما يوجبها على مقيم يملك نصاباً». فتكون الأضحية سنة في حق المقتدر، فإن كنت غير مقتدر فلا يلزمك ذبح أضحية. وتكفي شاة في حصول السنة، ومن ذبح أكثر زاد أجره بعدد ما ضحى به، وهي سنة وليست واجبة، وتتكرر كل عيد أضحى».
تجيب د. بشرى الجسمي: «الأضحية تجب على كل مسلم بالغ عاقل قادر عليها، سواء كان رجلاً أو امرأة. الأضحية سنّة مؤكدة على كل مسلم بالغ عاقل موسر، أي لديه ما يكفي لشراء الأضحية».
وحول حكم الاشتراك في الأضحية، تقول: الأضحية الواحدة من الشياه تجزئ عن الرجل المضحي وأهل بيته، ويمكن أن يشرك في الأجر من شاء. فإذا كانت الأضحية من الإبل أو البقر فإنها يمكن أن يشترك فيها سبعة مضحين. قال ابن قدامة في المغني: ولا بأس أن يذبح الرجل عن أهل بيته شاة واحدة، أو بقرة أو بدنة. نص عليه أحمد، وبه قال مالك، والليث، والأوزاعي، وإسحاق. وروي ذلك عن ابن عمر وأبى هريرة. قال صالح: قلت لأبى: يضحى بالشاة عن أهل البيت؟ قال: نعم، لا بأس، قد ذبح النبي صلى الله عليه وسلم كبشين، فقرب أحدهما، فقال: «بسم الله، اللهم هذا عن محمد وأهل بيته»، وقرب الآخر، فقال: «بسم الله، اللهم هذا منك ولك، عمن وحّدك من أمتي». وحكي عن أبى هريرة أنه كان يضحي بالشاة، فتجيء ابنته، فتقول: عني. فيقول: وعنك. وقال: (وتجزئ البدنة عن سبعة، وكذلك البقرة)، وهذا قول أكثر أهل العلم. روي ذلك عن علي، وابن عمر، وابن مسعود، وابن عباس، وعائشة، رضى الله عنهم، وبه قال عطاء، وطاووس، وسالم، والحسن، وعمرو بن دينار، والثوري، والأوزاعي، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي. ولنا، ما روى جابر، قال: (نحرنا بالحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم البدنة عن سبعة، والبقرة عن سبعة)، وقال أيضا: (كنا نتمتع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنذبح البقرة عن سبعة، نشترك فيها). رواه مسلم.
تؤكد د. بشرى الجسمي: «إذا أراد المسلم أن يضحي يسن له عدم الأخذ من شعره أو أظفاره من باب الاستحباب وليس واجباً، فإن قص شيئاً من شعره أو أظفاره فلا إثم عليه، ولا ينقص ذلك من ثواب الأضحية بتاتاً، ولكنه إذا ترك يحصل له أجر وثواب العمل بالسنة زائداً على ثواب الأضحية، وأما ثواب الأضحية فلا يؤثر فيه حلق الشعر ولا قص الظفر. فينبغي عدم الخلط بين الأمور».
وعن حكم صيام يوم العيد تشير المفتية الأولى في دائرة الشؤون الإسلامية بدبي إلى أنّه «يحرم صيام يومي عيد الفطر والأضحى، وهما يوما أول شوال وعاشر ذي الحجة على التوالي. كما يحرم صيام أيام التشريق التي تلي يوم النحر، وهي الأيام الثلاثة التالية لعيد الأضحى (الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من ذي الحجة). جاء في حديث أبي سعيد الخدري «نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم الفطر والنحر». فيحرم صيام يوم العيد للمضحي وغير المضحي».