14 مايو 2025

هل يجوز الاقتراض من أجل الحج؟

محرر متعاون

مجلة كل الأسرة

مع قرب موسم الحج، يتطلع المسلمون، في مشارق الأرض ومغاربها، إلى أداء أعظم رحلة في التاريخ.. الرحلة المباركة التي أجزل الله عليها العطاء، وبشّر رسول الله، صلى الله عليه وسلم، كل من يؤديها مخلصاً في طاعته، ملتزماً بآدابها وأخلاقياتها، وكان زاد رحلته من حلال طيّب، بغفران الذنوب، والعودة منها كيوم ولدته أمه.. فقال عليه الصلاة والسلام: «من حجّ ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه».

وقد يدفع الاشتياق إلى هذه الرحلة المباركة بعض المسلمين إلى لاقتراض من أجل الحج.. فهل يجوز ذلك؟

حدود الاستطاعة

البداية مع سؤال هام: الحج فرض على المستطيع.. فما هي حدود الاستطاعة؟

يقول الفقيه الأزهري د.فتحي عثمان الفقي، عضو هيئة كبار العلماء وعضو لجنة الفتوى المركزية بالأزهر الشريف، يقول الله تعالى في شأن الحج: «وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً»، وتتحقق الاستطاعة في الحج بالقدرة المالية الزائدة عن حاجة الإنسان، وحاجة من تلزمه نفقتهم مدة الذهاب إلى الحج، والعودة منه، كما تتحقق بالقدرة البدنية. وإذا لم تكن عند الإنسان قدرة بدنية مع وجود القدرة المالية فيمكن أن ينيب عنه غيره ليحج عنه، بشرط أن يكون النائب قد أدّى فريضة الحج عن نفسه».

ويضيف «ومن الاستطاعة أيضاً توافر الأمن في الطريق، وكذلك توافر الأمن على أهله، الذين تركهم، وغاب عنهم. كما يشترط ألا تكون هناك عقبات مثل تحديد عدد المسموح لهم بالحج، مراعاة لظروف معيّنة. ومن الاستطاعة عدم الديون التي تلزمه في أشهر الحج، فلا يجب عليه الحج قبل سداد هذه الديون، فإن سددها وبقى عنده ما يكفيه، للحج وجب الحج، وإلا فلا يجب».

كما يشدد د.أحمد كريمة، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، على عدم جواز الاقتراض لغير القادر لأداء حج الفريضة، ومن باب أولى حج التطوّع حتى لو كان القرض حسناً، وليس فيه شبهة ربا.

وماذا لو كان لدى الإنسان قدرة على الاقتراض وسداد القرض.. هل يجوز له الحج بالقرض؟

ذهب جمهور الفقهاء إلى أن القدرة على الاقتراض لا تحقق الاستطاعة الموجبة للحج، ونحوه من الواجبات الدينية، كصدقة الفطر. ومع ذلك، فلو اقترض المسلم وحجّ بمال القرض فحجّه صحيح بالإجماع، إذا تم بأركانه وشروطه.

لو اقترض.. هل يأثم أم لا يأثم؟

هناك خلاف بين الفقهاء حول هذه النقطة.. البعض يرى أنه يأثم لأنه بالقرض حمّل نفسه أكثر مما يطيق، وألزم نفسه بمشقة غير واجبة، وقد روي عن عبدالله بن أبي أوفي، أنه سأل النبي، صلى الله عليه وسلم، عن الرجل لم يحج أيستقرض للحج؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «لا». وذهب بعض الفقهاء (المالكية وغيرهم من أهل العلم)، إلى التفرقة بين من يرجو الوفاء إذا اقترض، كمن ينتظر مستحقاته المالية التي تأتيه في القريب، أو من يمتلك تجارة أو عقاراً يخلفه، بحيث يستوفي منه قيمة القرض إن نفذ القضاء، ومات في سفره. فهذا يباح له أن يقترض لأداء حجة الفريضة، وهي حجة الإسلام الأولى، لأنه بهذا الاقتراض الآمن بالوفاء يكون مستطيعاً.

أما إذا لم يكن يرجو وفاء القرض، كالفقير المعدم، فلا يجوز له الاقتراض من أجل الحج، إلا بعلم المقرض بحاله، ومسامحته إن مات قبل الوفاء، لأن المنع كان لحقه، وقد أسقط حقه بإعطائه، مع علمه بحاله من الفقر، والعدم.

ماذا تقول «الإفتاء المصرية»؟

أمانة الفتوى بدار الإفتاء المصرية اتجهت إلى التيسير، وأباحت لمن لا يمتلك حالاً نفقة الحج أن يقترض من أجل أداء الفريضة، ولكن بشروط، وقالت: «إذا كان المكلَّف باقتراضه للحج سيُحَمِّل نفسَه، أو مَن يعول، فوق الطاقة، ويعرّض نفسه أو مَن يعول للفتن، وما لا يقدرون على تحمّله، فيترجح في حقه القولُ بالحرمة، أما إن كان تحصيل ما يَسُدّ به الدَّين سيُعَطِّله عن نوافل العبادات، ومكارم الأخلاق، ومعالي الأمور، فيترجح في حقه القول بالكراهة، فإن لم يكن هذا ولا ذاك، وكان يغلب على ظنه السداد بلا ضررٍ عليه، وعلى مَن يعول، جاز له القرض بلا حرمة، ولا كراهة».