في بلدان عربية وإسلامية شكوى لا تتوقف عن تردّي أخلاقيات البعض في الطريق العام، وتعدّد تجاوزاتهم ما بين تحرّش بالنساء، وتجاوزات لفظية، وإشغال طريق، ومضايقات لآخرين، وغير ذلك من السلوكات الخاطئة التي تعكّر صفو المارّة، وتكثر بسببها المشكلات والمشاجرات، وتتعدّد الضحايا.. وقد وقعت مشاجرة|، أخيراً، بمدينة الإسكندرية المصرية بسبب مضايقة فتاة أثناء عودتها إلى منزلها، أسفرت عن 12 مصاباً، بعضهم فقد أعضاء من جسده..
فكيف يضبط الإسلام، بتعاليمه وآدابه وأحكامه العادلة، سلوكات الناس في الطريق العام؟
الإسلام يحمي الطريق
يقول العالم الأزهري د.عبد الحي عزب، الرئيس الأسبق لجامعة الأزهر «الإسلام يضبط سلوك الناس على الطريق، وفي الأماكن العامة، حيث ألزم المسلم بكل ما هو راقٍ ومتحضّر من السلوك في كل طريق يمشي عليه، أو مكان يحل فيه، ففي الطرق والأماكن العامة، لا إسفاف، ولا «بلطجة» سلوكية، ولا جرح لمشاعر أحد، ولا إهدار لحقوق عابري الطريق، وروّاد الأماكن العامة. لقد وضع الإسلام آداباً عامة في الطرق والأماكن العامة، لا ينبغي التفريط فيها، أوالخروج عليها، وهذه الآداب، وتلك الأخلاق تفرض على المسلم كل صور الرقي والانضباط، السلوكي والأخلاقي، حتى يكون صورة مشرفة لدينه الذي جاءت تعاليمه وآدابه قمّة في أدب السلوك».
ويضيف «الإسلام نشر ثقافة احترام الطريق العام، واحترام حقوق كل من يسير عليه، كما حرص على ضبط سلوك المسلم في تعامله مع المنافع العامة، ليواجه ما يصدر عن البعض من سلوك مرفوض نتيجة عدم وعيه بحقوق الآخرين، وقد جاء السلوك النبوي الكريم على الطرق، وفي الأماكن العامة، قمّة في الرّقي والتحضر، كما تعدّدت التوجيهات النبوية الكريمة التي تجسّد القيم والأخلاق الرفيعة».
المرفوض والمباح على الطريق العام
وفي هذا الإطار، يبيّن الرئيس الأسبق لجامعة الأزهر «كل سلوك فيه عدوان على حقوق الآخرين في استخدام الطريق العام بشكل آمن، أو فيه مضايقة لهم مُدان ومرفوض. وأول هذه السلوكات: شغل الطريق بما يزعج المارّة، أو يعوق حركتهم، ويؤذي مشاعرهم، ولذلك كان توجيه الرسول، صلى الله عليه وسلم، لأصحابه الكرام: «إيّاكم والجلوس على الطّرقات»، وعندما قالوا له: ما لنا بدّ، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها.. قال لهم عليه الصلاة والسلام: «فإذا أبيتم إلا المجالس، فأعطوا الطريق حقه».. قالوا: وما حق الطريق؟ قال: «غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السلام، وأمر بالمعروف، ونهي عن المنكر»..
هذا التوجيه، وتلك الوصية النبوية الكريمة فيها العديد من الآداب الراقية التي ينبغي أن يحرص عليها كل من يجلس في الطريق العام، وأبرزها:
- غضّ البصر عمّا حرّم الله، وعن مراقبة المارّين من الناس في أعمالهم، أو تصرفاتهم، أو لباسهم، أو السخرية منهم.
- احترام حقوق الآخرين في الطريق العام.. والتوجيه النبوي الكريم هنا واضح كل الوضوح، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إيّاكم والجلوس على الطرقات» والحديث يرسخ في نفوس الجميع قيمة احترام حق الغير في الطريق، فهو مرفق عام، وملك للناس جميعاً، وليس لأحد حق التصرف عليه كيفما يشاء، ويسبب أذى للآخرين.
- عدم التلصّص على النساء، واحترام مشاعر الآخرين بردّ السلام عليهم، وأن يكون إيجابياً بالمساهمة في فضّ ما يراه من مشاحنات بين الناس، وأن يحرص في ذلك على الوقوف إلى جانب الحق، ومناصرة العدل، وعدم ظلم الضعيف، وكفّ الأذى عنه، بقدر ما يستطيع، والبعد عن مناصرة من يعرفه، أو يجلس إلى جواره في سيارته، وأن يتذكّر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً.. فقال: رجل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنصره إذا كان مظلوماً، أفرأيت إذا كان ظالماً كيف أنصره؟ قال: تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره».
وإيذاء الطريق الذي حذّر منه رسولنا الكريم يتخذ الآن في بعض بلداننا العربية والإسلامية صوراً متعدّدة، ومؤسفة، حيث يسيء البعض التعامل مع الطرق والأماكن العامة بسبب تخلّيه عن القيم والأخلاق الإسلامية، فمن الناس من يعتبره ملكاً خاصاً به، ويفعل به ما يحلو له من سلوك شاذ، أو عدوان على حقوق الآخرين فيه، ومن الناس من يتعامل مع الطريق العام على أنه لا صاحب له، فيلقي عليه القمامة، والمخلفات، ويستغله أسوأ استغلال، وهذه الصور وغيرها من صور الإساءة إلى الطريق العام، تفسد الذوق العام في البلدان، فتصبح بعض طرقنا العامة غير آمنة، لا أمنياً، ولا سلوكياً، ولا أخلاقياً».
ما التوصيف الشرعي لمن يؤذي مشاعر الآخرين بإلقاء المخلفات والقمامة على الطرق العامة؟
تقول دار الإفتاء المصرية «من يلقي المخلفات والقمامة في الطرق العامة، أو المجاري المائية آثم شرعاً، ويستحق عقوبة تعزيرية يحدّدها القاضي وفقاً لحجم ما ارتكب من خطأ وجرم بحق البيئة التي أمرنا ديننا بحمايتها من كل الملوّثات، ومصادر الفساد، لأنها من جملة الخبائث والأذى المطلوب إماطته عن طريق الناس، ومواطن عيشهم؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم «وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ»، والمولى عز وجل أنزل الماء لحياة الإنسان؛ قال تعالى: «وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيّ»، وإلقاء الأذى في الماء يلوّثه ويحوِّله إلى بيئة راعية للأمراض والأوبئة، ما يعارض مقصود الإسلام».
اقرأ أيضاً: كيف نردع ظاهرة التحرّش في بلادنا العربية؟.. الأزهر يجيب