يقول الحق سبحانه وتعالى «المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا».. فالأبناء إحدى زينتي الحياة الدنيا.. لذلك يسعى كل زوجين إلى الإنجاب لتلبية غريزتي الأبوة والأمومة.. لكن ما حُكم الشرع لو حاول الزوج حرمان شريكة حياته من الإنجاب؟
تقدمت سيدة، أخيرا، إلى مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، تشكو تصرف زوجها الذي يحرمها من الإنجاب باعتبارها زوجة ثانية، والزوج لديه أولاد من زوجته الأولى، وطلبت السيدة فتوى رسمية تستطيع مواجهة زوجها بها.
فأجاب مركز الفتوى الأزهري: «الإنجاب كما هو حق للزوج، هو أيضا حق للزوجة، وقد اتفق الفقهاء على حرمة العزل عن الزوجة، إلا بإذنها ورضاها، وعليه، فلا يجوز للزوج أن يمنع زوجته من الإنجاب، ولكن يجوز لهما أن ينظِما النسل، مراعاة لتربية الأولاد، واهتماما بهم، ومراعاة لصحة الأم، أما منع الإنجاب بالكلية فلا يجوز. إذ إن النسل مقصد من مقاصد النكاح، وغاية من غايات الشريعة الإسلامية، فقد ورد عن سيدنا أنس بن مالك، رضي الله عنه، أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالباءة، وينهى عن التبتل نهيا شديدا».
وانتهى مركز الأزهر العالمي في فتواه إلى أن «من حق الزوجة أن تطالب زوجها بالإنجاب، وأن يكون هذا الطلب بالرفق، واللين، والحكمة».
الإنجاب حق للزوجين
من جانبه، يقول د. علي عثمان شحاتة، رئيس قسم الثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر «الشريعة الإسلامية جعلت من أهم مقاصد الزواج التكاثر والتناسل، في ظلال من المودة، والسكينة، والرحمة، حيث يقول الله تعالى: «ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها، وجعل بينكم مودة ورحمة».. فالتكاثر والتناسل مقصد أساسي، به تستقر الحياة الزوجية، وتعمق علاقات القربى، والألفة، وفي حديث الرسول الكريم: «تناكحوا تناسلوا تكاثروا فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة». والشريعة الإسلامية تحرص دائما على تحقيق مصلحة الإنسان، فهي تتيح له كل ما يحققها، وتحرم عليه كل ما يفسد عليه حياته، لذلك ليس من حق أحد الزوجين أن يفرض على الآخر رغبته في عدم الإنجاب، أو تأجيله لفترة طويلة، إلا إذا كان المقصود لفترة مؤقتة، لأي سبب من الأسباب، بمعنى المباعدة بين فترات الحمل حفاظا على صحة الأم، وحفظا لها من أضرار كثرة الحمل، والولادة المتتالية، فذلك جائز شرعا، ولا غبار عليه. أما إذا كان المقصود هو منع الحمل، ووقف صلاحية الإنجاب نهائيا، فإن ذلك يتنافى مع مقاصد الشرع في المحافظة على النسل، حيث يقول الله تعالى: «المال والبنون زينة الحياة الدنيا».
ويضيف «الإنجاب حق مشترك بين الزوجين، ولا يجوز إجبار أحد الطرفين على الاستمرار في حياة زوجية مع طرف عقيم، وحرمانه من مشاعر الأبوة، أو الأمومة، فالحرمان من الإنجاب ضرر نفسي لا يتحمله الكثير من الرجال والنساء، لذلك فإن شريعة الإسلام لا تقر هذا الضرر، وتبيح للزوجة طلب الطلاق، كما تبيح للرجل أن يتزوج بأخرى تنجب له الذرية، إذا تأكد أن العيب من الزوجة، وأنه لا أمل في العلاج. فإذا كان الزوج عقيما، وتأكد من عدم قدرته على الإنجاب في الحال، أو في المستقبل، بمعنى أن يكون قد استنفد كل وسائل العلاج، واتفق الأطباء على استحالة علاجه، ففي هذه الحالة من حق الزوجة طلب الطلاق، لأن عدم الإنجاب يسبب لها ضررا نفسيا لا يقدره إلا من يعانيه.. وهناك مِن الزوجات من تضحي، وتختار الوفاء للزوج، والحياة معه من دون أطفال، وهذا من حسن أخلاقها، ووفائها لزوجها، والتمسك به، وتعوض مشاعر الأمومة بمشاعر الحب، والحنان المتبادل معه، بخاصة إذا تأكدت أنه لم يكن يعلم بأنه يعاني ذلك قبل ارتباطه بها، ولم يخدعها».
اقرأ أيضا: تأجيل الإنجاب.. هل تحول إلى موضة؟ وما تأثيراته في صحة الزوجين وعلاقتهما؟