بيرلا الصبية اللبنانية الموهوبة، ليست مجرّد فنانة ناشئة، بل نموذج لجيل جديد يتقن التعبير عن ذاته بلغة الفن، ويحمل طموحاً لا تحدّه أعمار، وبين اللون والخطوط، تكتب بيرلا فصلاً جديداً من الحلم اللبناني الذي لا يموت.
قصّتها ليست جديدة، ولكن جرأتها في طرحها دفعتها إلى الأضواء بلمح البصر، وصارت حديث الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي. هي الطفلة التي بدأت تظهر ملامح موهبتها في الخامسة من عمرها، وكانت تحتاج إلى ألاهتمام والرعاية، وفي الوقت نفسه، أظهرت أكثر من موهبة، واستطاعت أن تعبّر عن حاجتها إلى دعم هذه المواهب، فتلقفها أهلها وبدأت بتشجيعها ودعمها من خلال الدراسة الأكاديمية، ولم تدخر فرصة تخصيص الوقت اللازم لتعليمها تقنيات الرسم والبالية التي برعت في مجاليهما، ولكن حين كان لزاماً عليها احتيار أحد المجالين، بعدما ضاق الوقت بسبب الدراسة وظروف أخرى، اختارت المجال الذي يعبّر عن مكنوناتها، فانتصرت هواية الرسم على كل ما عداها.
اليوم، وبعد أحد عشر عاماً، بدأت براعم هذه الموهبة تتفتح وتظهر للعلن بعدما أصبح في جعبتها نحو مئتي لوحة متنوعة، انتقلت معها من الهواية إلى الاحتراف، ومع الفرصة التي أتاحتها لها الكاتبة والروائية اللبنانية، نيرمين الخنساء، عندما أوكلت إليها مهمة رسومات روايتها للأطفال التي تحمل عنوان «يامن وسر الكنز»، بدأت رحلة جديدة أكثر جدّية، وأصبح للرسم معنى آخر في حياتها، وهدف لا يخلو من رسائل معيّنة، وأصبحت أكثر نضجاً، ورسوماتها تشكل أنعكاساً في كثير من الأحيان لواقع يحيط بها، تعبّر عنه بصمت يفوق أحاديث العالم، ومشاعر تخرج بلا استئذان، وألوانها مزيج من فرح وأمل، في عالم طغى فيه العنف والألم.
من هذا الواقع، وعلى وقع طبول الحرب، قرّرت هذه الصبية أن تحمل رسالة إلى العالم المجتمع في أكبر وأعرق تظاهرة فنية ثقافية في القاهرة، إلى مهرجان القاهرة السينمائي، حيث التقت هناك بعض ضيوفه، ورئيسه الفنان حسين فهمي، وأهدتهم نسخاً من قصة «يامن وسر الكنز»، التي تتمحور حول دعوة الأهل لاصطحاب أولادهم إلى معارض الكتب، وهذا إن دلّ على شيء فإنما يدّل على أن الشعب اللبناني شعب توّاق إلى العلم والثقافة، وليس كما يصوّره البعض. هذه الخطوة، على جرأتها، تُحسب لفتاة لم تتخط السادسة عشر من عمرها، هالها ما يُحكى عن جيلها من أخبار مغلوطة، فأرادت تصحيح الصورة، ومن هنا كانت بداية لقائنا معها لتسليط الضوء أكثر على رحلتها، وطموحاتها، وآمالها .
في المنزل كنت أتسلّى دائما بالرسم، ما أثار فضول والديّ ومتابعتهما للتحقّق من وجود موهبة فعلية
متى شعرت بموهبتك في الرسم؟
منذ صغري وأنا أحب الألعاب التي تتضمن ورقاً وألواناً، وفي المدرسة شعرت بأني قادرة على تنفيذ الرسومات التي كانت تُطلب مني، سواء في حصّة الرسم، أو في رسومات علوم الطبيعة، أو الجغرافيا، وفي المنزل كنت أتسلى دائما بالرسم، ما أثار فضول والديّ ومتابعتهما للتحقّق من وجود موهبة فعلية، فقررا إلحاقي بمعهد فنون خاص، وأنا في الخامسة من عمري.
كنت أيضاً باليرينا؟
نعم ، كنت أدرس الباليه والرسم في آن، لمدة سبع سنوات، ولكن في سن العاشرة، بدأ ضغط الدراسة، فضاق الوقت، إضافة إلى تفاقم الأوضاع الاقتصادية، وسفر مدرّبة رقص الباليه، فكان عليّ الاختيار بين الباليه والرسم، فاخترت الأخير، خصوصاً أنني كنت قطعت فيه شوطاً كبيراً، ووصلت إلى مرحلة الرسم بالزيت، وكنت أتوق لاستكمال باقي المراحل.
في بعض لوحاتك مواكبة لمراحل معيّنة، اجتماعية وسياسية وأمنية، هل كان ذلك مطلوباً منك؟
أبداً، كانت الرسومات تنساب على الورق تلقائياً من خلال شعور خاص، سواء كان حزيناً، أو فرحاً.
وفي «البورتريهات»؟
كان يُطلب مني أحياناً رسم البعض، وأحياناً أخرى كان نتيجة حدث معين، أو إعجاباً بشخص ما.
مثلما حصل مع صورة الفنان حسين فهمي؟
بصراحة ، لم أكن راضية تماماً عن الصورة التي رسمتها له نظراً لضيق الوقت، ولأن الهدف من لقائه كان حمل رسالة من جيل شباب بلادي، وهذا ما جعلني أتغاضى عن الموضوع قليلاً.
ماذا عن أول لوحة؟
كانت عبارة عن بورتريه لامرأة مع وردة، وكانت تمثّل رقّة المرأة التي تشبه رقّة الوردة، وعبيرها الفوّاح.
كان هذا تفكيرك في الخامسة من عمرك؟
لطالما ربطت صورة المرأة بأشياء لطيفة، فأنا كنت، وما زلت، اعتبرها رمز الحنان، والجمال، والعاطفة.
وهل انت نادمة على ترك رقص الباليه؟
إلى حد ما، ولكن الرسم عوّض عنه في مكان ما، لأنه يكون موجوداً في الحزن والفرح، بينما الباليه ، وعلى رغم أنه رياضة بدنية ونفسية، إلّا أنه يبقى موجوداً في الفرح فقط.
ما هي الأحداث التي أثّرت في رسوماتك؟
أحداث حلوة ومرّة، منها حرب غزة، وحرب لبنان.
هل أنت متفائلة بمستقبلك في مجال الرسم؟
أنا متفائلة دوماً، ومستقبلي في مجال الرسم إذا لم يكن جيداً في المجال الاحترافي، فلا شك في أنه سيكون جيداً في المجال الشخصي، وعلى سبيل تنفيس الموهبة.
هل يمكن أن تختاري مجالاً للتخصص الأكاديمي متعلقاً بالرسم؟
على الأرجح.
