10 ديسمبر 2025

إنعام كجه جي تكتب: عشبة الخلود

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

مجلة كل الأسرة

منذ الزمن السحيق لجدّنا جلجامش، وقضية الخلود تشغل الكائن البشري. جاء في الملحمة السومرية أن جلجامش سعى للعثور على عشبة الخلود. كان حزيناً لمقتل صديقه أنكيدو، ويريد قهر الموت. وهو مطلب مستحيل التحقيق، لكن البشر، والعلماء منهم، يجتهدون على مرّ العصور للقضاء على الأمراض وإطالة الحياة.

آخر البدع في هذا المجال ما يجري وراء جدران عيادات خاصة في لندن، وزيورخ، ولوس أنجلوس، من تجارب للهروب من الشيخوخة، أو تأجيلها قدر الإمكان، من خلال حقن دماء شابة في شرايين الباحثين عن الشباب الدائم. وكان أشهر هؤلاء الملياردير بريان جونسون الذي كان يأخذ كميات من دم ولده الفتى البالغ من العمر 17 عاماً لكي يحقنها في شرايينه. كل ذلك بإشراف طبي يمكن وصفه بالتواطؤ الخطر.

وعلى الرغم من أن محاولات التحايل على الموت ليست جديدة، وهي قديمة قِدم البشرية، فإن الكلام عنها ما زال يدور بالصوت الخفيض، والهمسات التي لا تتسرب من أسوار المصحات الخاصة. بل إن هناك من يدخلها باسم مستعار لكيلا يلفت انتباه الصحافة إلى ما ينفقه في سبيل قهر التجاعيد، ووهن الخلايا، والعظام، والمفاصل.

نعرف من الكتب المقدسة، ومن تجارب الأجيال المتعاقبة، أن لا شيء يدوم على هذه الأرض. لكن تحقيقاً نشرته مجلة تصدر في باريس يؤكد أن فرنسيين كثيرين يقصدون تلك العيادات. إنهم لا يعانون علّة أو مرضاً، لكنهم يريدون الحفاظ على مظهر شاب، ولو تجاوزوا السبعين. وطبعاً، فإن التكاليف باهظة لا يقدر عليها سوى الأثرياء. لذلك تحولت تلك الوعود الخلابة إلى «بزنس» يملأ جيوب أصحابه بالملايين.

اليوم، راحت الأسرار تتسرب لأننا في زمن الفضائح. الكاميرات في كل مكان وهي تراقب، وتصور، وتحفظ، وتبث. وقد تبين أن الوسيلة المتبعة في تلك العيادات هي حقن الأجساد بالبلازما، أي بدماء مأخوذة من يافعين. والأمر يحتاج إلى تطابق فئات الدم، بحيث يتقبّلها الجسم ولا يرفضها. لذلك غالباً ما يتم الاعتماد على سحب الدم من أصغر أفراد العائلة. وهنا تكمن بشاعة هذه الوسائل.

في مقابلة مع شخص رفض الكشف عن هويته، يبلغ من العمر 52 عاماً، قال: «أودّ أن أختبر إمكانية استعادة الحيوية التي كنت عليها في سن الثلاثين. هذا هو الأمر بكل بساطة». إنه رئيس لمؤسسة كبيرة. وقد سافر، في العام الماضي، إلى الولايات المتحدة وخضع لحصتين، أو جلستين اثنتين لنقل البلازما الطازجة المجمدة المأخوذة من مانحين صغار السن. دفع الرجل في كل جلسة 7 آلاف يورو. ماذا جرى له بعد ذلك، وهل عاد شاباً؟ يجيب عن السؤال بأنه شعر في الأيام التي تلت العلاج بصفاء في الذهن. لقد استعاد الوضوح العقلي. لكنه يعترف بأن كل هذا قد يكون وهماً. ومع هذا، فإنه يحب تصديق الوهم لأنه دفع في سبيله مالاً.

لو كانت جدّتي على قيد الحياة لسارعت إلى موقدها وأعدّت شاياً بالليمون الأسود المجفف. إنه خير ما يريح المعدة، ويعزز لذة اللحظة الراهنة.

اقرأ أيضاً: من أجل الشباب الدائم... ملياردير أمريكي يحقن نفسه بدم ابنه