25 نوفمبر 2025

المايسترو مايكل إبراهيم: الموسيقى العربية تمتلك جاذبية عالمية والجمهور لا يريد «الترفيه الخفيف»

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

حمل المايسترو مايكل إبراهيم، قائد الأوركسترا العربية الوطنية، لواء الموسيقى العربية الكلاسيكية إلى العالم، ليمضي قدماً في مشروع فني يوازن بين الوفاء للتراث والأصالة، والعبور إلى عوالم ثقافية معاصرة.

يصرّ المايسترو على الانطلاق عكس التيار، من خلال قيادته للأوركسترا العربية الوطنية في الولايات المتحدة، ويسعى لتعريف الأجيال الجديدة بعمق هذا الفن، وجماليّاته.

في حوار «كل الأسرة» معه، يرى المايسترو إبراهيم أن الموسيقى لغة عالمية لا تحتاج إلى ترجمة، وأن رسالتها قادرة على عبور الحدود، الثقافية واللغوية، حيث «منهجي واحد أمام الجمهور العربي، وغير العربي».

وبين ولائه للتراث وانفتاحه على التجديد، يمضي «المايسترو المجنون»، كما يلقّب، في  مسيرة موسيقية بدأت منذ صغره، حيث طوّر أسلوبه الخاص في مزج الأصالة بالحداثة، من دون أن يفقد الموسيقى العربية روحها الأصلية، ونجح في ترجمة جماليات الطرب والفنون الموسيقية العربية، إلى جمهور واسع في الغرب والشرق.

مجلة كل الأسرة

في رأيك، ما الذي يجعل الأغنية العربية الكلاسيكية قادرة على البقاء حيّة في وجدان الأجيال؟ وكيف تستطيع استقطاب الأجيال الشابة؟

يبحث الناس اليوم عن الأصالة، وهذه الأصالة تتجلى بشكل طبيعي في الأغنية الكلاسيكية، أو في فنون الموسيقى الرفيعة. فالمقدار الكبير من الوقت، والجهد، والمهارة المطلوبة لأداء هذا اللون من الموسيقى، تجعل العمل الفني يتألق، ويبرز.

إن الموسيقى الكلاسيكية فنّ demanding يتطلب من الفنان، سواء كان مطرباً أو عازفاً، أن يمتلك علماً وخبرة عميقة، ليؤديها بالشكل الأمثل. وهناك أيضاً قدر كبير من الحب يُسكب في هذا العمل، والجمهور قادر على أن يشعر به.

أما بالنسبة إلى الأجيال الشابة، فالمفتاح يكمن في جعل هذا الفن متاحاً لهم، ليس في إطار العروض الفنية فقط، بل أيضاً في المجال التعليمي، وهذا ما اختبرته شخصياً في الولايات المتحدة، من خلال عملي مع الأوركسترا العربية الوطنية. فعندما بدأت المشروع، اعتقد الكثيرون أنّه لن ينجح، وأن الجمهور يريد فقط «الترفيه الخفيف» فقط، أو أن هذا النوع من الموسيقى يستهوي كبار السن وحدهم. لكن الواقع أثبت عكس ذلك؛ فكلما أتيح هذا الفن أكثر، ازدادت رغبة الناس، على اختلاف أعمارهم، في الاستماع إليه. فالجاذبية لا تكمن في جمال الموسيقى فقط، بل أيضاً في كونها تحمل رابطاً عميقاً بتراثهم. وأنا أؤمن بأن الأمر نفسه ينطبق في العالم العربي، إذ ما من وسيلة أرقى للاتصال بالهوية والثقافة من الفنون.

مجلة كل الأسرة

 كيف ترصد دور الأوركسترا العربية في ربط الجمهور المعاصر بجماليات الموسيقى العربية؟

أولاً، الطرب ليس نوعاً موسيقياً بحد ذاته، بل هو بُعد جمالي وحالة وجدانية يعيشها المستمع عند الإصغاء إلى الموسيقى العربية. ودور الأوركسترا، أو التخت، في إحياء زمن الطرب يتوقف على كيفية أدائها للموسيقى. فإذا امتلك العازفون والفنانون المعرفة والحسّ اللازمين لإبراز جماليات القطع التي يقدّمونها، فإنهم بذلك يُمكن أن يثيروا في المستمع حالة الطرب. وهذه التجربة ليست حكراً على الأعمال «الكلاسيكية» فحسب، بل يمكن أن تتحقق أيضاً من خلال الموسيقى المعاصرة متى ما قُدّمت بعمق وأصالة وفن رفيع.

مجلة كل الأسرة

 تحضر عالمياً كقائد أوركسترا عربية وطنية، كيف تنقل روح الموسيقى العربية إلى المسارح العالمية؟

في الموسيقى العربية جمال هائل، وهو الجمال نفسه الذي شدّني إلى ثقافتي كعربي أمريكي. وفي عملي أسعى دائماً إلى الحفاظ على هذا الجمال، من خلال تقديم الموسيقى بصورتها الأصيلة النقية. وعلى الرغم من أنني قد أضيف أحياناً لمستي الفنية الخاصة، فإنني أبقى ملتزماً بالمبادئ الأساسية التي تقوم عليها هذه الموسيقى.

إن منهجي واحد، سواء أمام جمهور عربي، أو غير عربي، لأن الموسيقى بحد ذاتها تحمل الرسالة وتصل مباشرة إلى المستمع. ومن خلال تجربتي، وجدت أن الموسيقى العربية تمتلك جاذبية عالمية؛ فهي تخاطب العربي بما تحمله من تراث وذاكرة، وفي الوقت نفسه تأسر المستمع غير العربي الذي قد يتعرّف إلى هذا الغنى لأول مرة.

 ما الأغنية أو المقطوعة التي تحرك فيك الذاكرة كل مرة تقود فيها الأوركسترا؟

ليس هناك أغنية واحدة تُثير فيّ هذا الشعور. فذكرياتي ترتبط أكثر بالأصوات والمشاعر، منها بالأغنيات المحددة. كل عرض موسيقي يحمل أجواءه ووجدانه الخاص، وهذه العناصر هي التي توقظ ذاكرتي أكثر من أي عمل بعينه.

مجلة كل الأسرة

 ما هو أصعب تحدٍّ تواجهه عند دمج التراث الأصيل بروح التجديد؟

لم أواجه شخصياً تحدّياً في هذا المجال. فالفن الجيد يمتلك بطبيعته القدرة على البقاء حيّاً. وليس من الضروري دائماً أن نُغيّر ما هو جميل أصلاً، لكي يظل حاضراً؛ فجودته وحدها كفيلة بأن تجعله مستمراً، وقادراً على مخاطبة الناس عبر الزمن.

 تلّقب بالمايسترو المجنون! هل تحب هذا اللقب أم تعتبره خارج السياق الذي تتبعه؟

بصراحة، لا أعطي أهمية كبيرة للألقاب التي تُطلق عليّ. فما زلت أرى نفسي في بداية الطريق، ولدّي الكثير لأقدّمه للعالم من خلال فني. إن تركيزي منصبّ على صقل حرفتي، والاستمرار في تقديم أفضل ما لديّ. أما الناس، فلهم أن يحكموا، أو يطلقوا ما يشاؤون من ألقاب؛ أما بالنسبة إليّ، فما هذه إلا البداية.

مجلة كل الأسرة

 الموسيقى لغة التماس مع الواقع، كيف واكبت غزة موسيقياً؟

في حدود إمكاناتي، سعيت إلى الاستجابة من خلال تسليط الضوء على فنانين فلسطينيين، مثل ناي برغوثي، أمير دندن، أمل مرقس، فراس زريق، وغيرهم. كان هدفي أن أُبرز الجانب الإنساني الغائب عن السردية الحالية، وأدعّم الوعي تجاه عطاءات هذه الشريحة. إن بعضاً من أعظم فناني الموسيقى العربية اليوم يأتون من فلسطين. ومع ذلك، أشعر بأن كل ما استطعت أن أقدمه لا يزال غير كافٍ.