23 نوفمبر 2025

قائدة الأوركسترا أمل قرمازي: «مزيكا» هي نقطة توازن بين التراث والحداثة

محررة متعاونة

مجلة كل الأسرة

في عالمٍ ما زالت فيه عصا القيادة الأوركسترالية تمرّ بأيدي الرجال غالباً، تبرز المايسترو العربية الدكتورة أمل قرمازي، كاستثناء جميل يفرض حضوره، بهدوء وثبات. من مقاعد البحث الأكاديمي في جامعة السوربون العريقة، إلى خشبات أهم المسارح حول العالم، تقود قرمازي أوركسترا «مزيكا» العالمية، أول أوركسترا عربية ذات إنتاج عالمي، في مشروع طموح يعيد تقديم الموسيقى العربية بلباس سيمفوني معاصر، من دون أن يتخلّى عن أصالته، وجمال موروثه.

ترسّخ أمل قرمازي حضورها كرائدة عربية في مجال القيادة الأوركسترالية، وتقدّم نموذجاً جديداً لصورة «المايسترو»، وتتحدث عن رؤيتها للموسيقى، ورسالتها كقائدة أوركسترا عربية تحمل نغمتها إلى المسارح العالمية.

مجلة كل الأسرة

أمل قرمازي وأوركسترا «مزيكا»... اسمان متلازمان في المشهد الموسيقي العربي والعالمي، ما الذي تقولينه عن هذه الشراكة وأهدافها؟

شراكتي مع أوركسترا «مزيكا» إنسانية وثقافية بقدر ما هي فنية، لأن «مزيكا» ليست مجرّد أوركسترا أعمل معها، بل مساحة نلتقي فيها حول حلم مشترك، هو إعادة تقديم الموسيقى العربية بروح معاصرة، مع المحافظة أصالتها، وفتح أفاق جديدة لها للتواصل من خلالها مع العالم. وهذه الشراكة تقوم على الإيمان العميق بأن موسيقانا العربية، بما تحمله من تنوّع وجمال، قادرة على أن تتحاور مع الثقافات الأخرى، وأن تصل إلى جمهور واسع، مهما اختلفت لغاته، وخلفياته. وبالنسبة لي، «مزيكا» هي نقطة توازن بين التراث والحداثة، بين الأصالة وروح التجديد، ونحاول من خلالها أن نبني جسراً بسيطاً وصادقاً بين ماضينا الغني، وحاضرنا المنفتح على العالم. وطموحنا كبير وصادق، وهو أن نُظهر أن التراث العربي حيّ ومتجدّد، وأنه ما زال قادراً على أن يجد مكانه في المشهد الموسيقي العالمي، بأسلوب يعكس عمق ثقافتنا، وثراءها الإنساني، ويعبّر عنّا ببساطة وصدق.

وماذا تعلّمت من قيادة الأوركسترا على المسارح العالمية؟

هي تجربة تعلمت منها الكثير، سواء على المستوى الفني، أو الإنساني، وأنا أحاول من خلالها أن أجد أسلوباً يجمع بين جماليات الموسيقى العربية والتقنيات السمفونية الغربية، بطريقة تعبّر عنا بصدق، وتصل إلى الآخر بلغة فنية راقية.

مجلة كل الأسرة

تقدّمون في حفلاتكم روائع الموسيقى العربية بتوزيعات أوركسترالية رفيعة المستوى. كيف تختارون «الريبرتوار»، ومن هم القامات الطربية العربية التي تستعيدون أرشيفهم في حفلاتكم؟

 نحن نختار «الريبرتوار» بعناية كبيرة، ووفق معايير فنية، وليست تجارية، ونبحث عن الأعمال التي تحمل قيمة فنية وتاريخية تسمح بإعادة تقديمها بتوزيع أوركسترالي غني، من دون أن تفقد هويتها. ونحن نستعيد أعمال كبار الفنانين مثل أم كلثوم، عبد الحليم حافظ، فيروز، وردة الجزائرية وغيرهم، إضافة إلى بعض الأغاني الحديثة التي تستحق هذا الشكل من التقديم.

كيف تصفين علاقتك شخصياً بأغنيات نجمات الجيل الماضي، ونجمات الجيل الحالي، مثل جوليا بطرس، وماجدة الرومي، وكارول سماحة ، بخاصة وانّك قدّمت أعمالهنّ في جولة «Arab Divas» التي جالت في أهم المسارح؟

علاقتي بأغنيات المطربات الكبيرات كما بنجمات الجيل الحالي، علاقة وجدانية، وفكرية، في آنٍ، وهذه الأصوات شكّلت جزءاً من ذاكرتنا الجماعية، ومن وجداننا الفني، وأنا أتعامل مع أعمالهنّ باحترام كبير وبمنهج موسيقي دقيق. وفي جولة «Arab Divas» حاولت أن أقدّم أعمالهنّ من منظور أوركسترالي، يبرز قوة موسيقاهنّ، ويواكب حساسية العصر، من دون أن أفقد روحها الأصلية، أو رسالتها. كل واحدة من هؤلاء الفنانات تحمل مدرسة فنية مختلفة، والتعامل مع إرثهن بالنسبة لي هو مسؤولية وجزء من رسالتي في إبراز صوت المرأة العربية في الموسيقى، وإظهار عمقه وتأثيره الإنساني. وفيروز ترمز إلى الخلود والرهافة، أم كلثوم إلى العظمة والقوة، وردة إلى الشغف والعاطفة العميقة، ماجدة الرومي إلى الأناقة والسمو، وجوليا بطرس إلى الالتزام والإلهام. وكل تلك الأسماء لم تقدم فقط أصواتاً استثنائية، بل أيضاً رؤى، وفكراً موسيقياً ترك بصمته في تاريخ الفن العربي، وما زلن يلهمن الأجيال الجديدة، وأنا من بينهن.

بعد أمسية «أنغام من المغرب العربي – من المحيط إلى الخليج» في مركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، كيف تصفين علاقتك اليوم بالجمهور الخليجي؟

 العلاقة مع الجمهور الخليجي قوية ومباشرة، فهو يتابع الموسيقى العربية، ويقدّرها بكل أشكالها، ويستقبل عروضنا بحماس كبير، ووعي فني واضح. وتجربتنا في «أنغام من المغرب العربي -من المحيط إلى الخليج»، أكدت شغفه الحقيقي بالموسيقى الأصيلة، وقدرته على التفاعل مع الأوركسترا، وفهم العمق الموسيقي وراء كل عمل نقدمه.

كوننا نساء عربيات يمنحنا فخراً مضاعفاً بثقافتنا الغنية وجذورنا العريقة، ويحمّلنا مسؤولية جميلة وهو المحافظة على هذا الإرث وتقديمه للعالم بروح معاصرة

كثير من الشابات، في الخليج والعالم العربي، ينظرن إليك اليوم كنموذج يُحتذى لامرأة عربية كسرت الصورة النمطية عن «المايسترو»، ما أوّل نصيحة عملية تقدّمينها للمرأة العربية؟

 النصيحة الأولى هي أن تؤمن بنفسها، وتبدأ بالمحاولة، وأن تطوّر مهاراتها الموسيقية تدريجياً، تستمع كثيراً، وتجرّب كل ما يمكن أن يساعدها على فهم الموسيقى أكثر. فالقيادة الموسيقية ليست سهلة، بل تتطلب دراسة عميقة، وتدريباً مستمراً، وتجربة حقيقية على المسرح، لكن الأهم من كل ذلك، هو الشغف والثقة بالنفس. وأنا لا أؤمن بوجود استحقاق خاص لمجرّد كوننا فتيات، فالمعيار الحقيقي هو الكفاءة، والتفاني، والاجتهاد المستمر، كما أن العمل الجاد هو ما يصنع الفرق في النهاية، والطريق الوحيد لتجاوز أي قيود أو صور نمطية. القيادة الأوركسترالية تحتاج إلى صبر، انضباط، ورؤية واضحة، لكن أيّ فتاة تمتلك الإصرار والشغف تستطيع الوقوف على المنصّة، وأن تترك بصمتها الخاصة في العالم الموسيقي. وكوننا نساء عربيات يمنحنا فخراً مضاعفاً بثقافتنا الغنية، وجذورنا العريقة، ويحمّلنا مسؤولية جميلة، وهي المحافظة على هذا الإرث، وتقديمه للعالم بروح معاصرة تعبّر عنّا، وعن أحلامنا.

مجلة كل الأسرة

هل تفكّرين في مشاريع مستقبلية تجمعك بنجوم الغناء في الخليج والوطن العربي بعد تجربة سابقة مع مجموعة من الأصوات اللافتة؟

 نعم، نحن بالفعل نعمل على مشاريع جديدة تجمع أوركسترا «مزيكا» بعدد من الفنانين العرب، من أجيال واتجاهات مختلفة، ضمن رؤية فنية متجدّدة تسعى إلى خلق حوار موسيقي حقيقي بين الأصوات والتجارب. لكن حتى الآن، لا توجد مشاريع محدّدة، أو تعاون مؤكد مع مطربين عرب جدد، ولكن أفضّل أن يقوم أيّ تعاون على فكرة موسيقية واضحة وصادقة، لا على مجرّد مشاركة شكلية، والأهم، أن يجمعنا احترام متبادل للفن ورغبة حقيقية في تقديم شيء، نوعي ومؤثر، للجمهور.

مجلة كل الأسرة

مع أيّ فنان أو فنانة، تحبين أن يكون هناك تعاون في المستقبل؟

نتلقى بالفعل عروضاً من عدد من الفنانين، في الخليج والوطن العربي، لكنني أفضّل ألا أذكر أسماء في هذه المرحلة، لأن الأهم هو أن يكون المشروع نابعاً من رؤية فنية تضيف لكل الأطراف، وتقدّم تجربة جديدة تليق بروح أوركسترا «مزيكا»، وتلامس الجمهور بصدق.