03 نوفمبر 2025

د. حسن مدن يكتب: آينشتاين الموسيقي

كاتب بحريني، يكتب زاوية يومية في جريدة "الخليج" الإماراتية بعنوان "شيْ ما"، صدرت له مجموعة من الكتب بينها: "ترميم الذاكرة"، "الكتابة بحبر أسود"، "للأشياء أوانها"، &a

مجلة كل الأسرة

منذ طفولته عُرف عالم الفيزياء الشهير ألبرت آينشتاين (1879–1955)، مؤسس النظرية النسبية، بكونه عازفاً ماهراً على آلة الكمان، بتشجيع من والدته التي كانت ترى في الموسيقى وسيلة للتهذيب، الروحي والعقلي، وسيقول لاحقاً، حين كبر وأصبح عالماً: «لو لم أكن عالم فيزياء، لكنت موسيقياً. غالباً ما أفكر في الموسيقى. أعيش أحلامي في الموسيقى. أرى حياتي في شكل موسيقي»، مشيراً إلى أنّ أحلام اليقظة في أثناء عزف الموسيقى ساعدته كثيراً على حلّ المشكلات العلمية، فالموسيقى تُظهر كيف يمكن للبساطة أن تولّد تعقيداً منسجماً، وعنه قال بعض من عرفوه إنّه نادراً ما يفكر بالكلمات، بل بصور وإيقاعات.

اعتبر آينشتاين الموسيقار باخ مثاله الأعلى في التوازن الرياضي، والجمال الفني، حتى أنّه قال «القوانين العظيمة للطبيعة تشبه موسيقى باخ، أكثر مما تشبه أي شيء آخر». وعن باخ أيضاً قال: «استمع إليه، وستجد الله حاضراً في كل نغمة. إنه بحر لا حدود له من الصفاء المنطقي، والجمال؛ كلّ نغمة تتبع الأخرى كما لو كانت نتيجة حتمية لقانون طبيعي». وفي موتسارت أحبّ آينشتاين البساطة المدهشة، والانسجام الطبيعي، فيما رأى أن موسيقى بيتهوفن «درامية أكثر مما ينبغي»، مقارنة بصفاء باخ وموتسارت.

لعلّ آينشتاين هو نفسه القائل إنّ «أعظم العلماء هم أيضاً فنانون»، حيث رأى أنّ الكون بمثابة سيمفونية ضخمة تتكوّن من قوانين متناغمة، وكل جسم سماوي هو نغمة في تلك السيمفونية، ولذلك لم يكن الكمان، بالنسبة إليه، مجرد آلة موسيقية، بل أداة تفكير. وعندما تتعقد أمامه المسائل الفيزيائية، كان يترك الأوراق جانباً ويعزف سوناتة لموتسارت، أو قطعة لباخ، ثم يعود وقد انفتح له باب جديد للفهم، كأنّ نغمة موسيقية قادرة على أن تحلّ معادلة معقّدة.

تجلّى ولعه بالموسيقى في مشاركته في حفلات موسيقية غير رسمية في برلين، وبرن، وبرنستون، وتنظيم جلسات عزف جماعي مع أصدقاء موسيقيين، وهواة، وكان يعزف أحياناً في حفلات خيرية لدعم قضايا إنسانية، بخاصة بعد الحرب العالمية الثانية.

نستعيد علاقة آينشتاين بالموسيقى على خلفية خبر طازج يفيد ببيع كمان كان مملوكاً له بمبلغ 1.1 مليون جنيه استرليني، (نحو 1.5 مليون دولار)، في مزاد نظّمه بيت المزادات البريطاني، وكان آينشتاين قد اشترى هذه الآلة الموسيقية في ألمانيا عام 1895، أي قبل مغادرته البلاد متوجهاً إلى سويسرا لمتابعة دراسته في المدرسة التقنية الفيدرالية في زيورخ.

وتشير منصّة «تاس» التي أوردت الخبر إلى أنه عندما وصل النازيون إلى السلطة في ثلاثينيات القرن الماضي، وقرر آينشتاين الهجرة إلى الولايات المتحدة، سلّم أمتعته إلى الفيزيائي ماكس فون لاويه، حفاظاً عليها، وكان من بينها دراجة، وكتاب في الفلسفة أهداه إياه والده في صغره، إضافة إلى الكمان المذكور، المعروف باسم «لينا»، حيث كان آينشتاين يُطلق على جميع آلاته الموسيقية، بما في ذلك الكمان الذي بيع في إنجلترا هذا الاسم: «لينا».

وبعد مرور نحو عشرين عاماً، قدّم فون لاويه هذه المقتنيات هدية إلى إحدى عشيقات آينشتاين، وهي مرغريت هومّرش، من مدينة براونشفايغ. وقضت هذه القطع أكثر من سبعين عاماً بين أفراد عائلتها، قبل أن تقرر ابنة حفيدتها عرضها للبيع في المزاد. وكانت القيمة التقديرية للكمان تتراوح بين 200 ألف و300 ألف جنيه استرليني، (ما بين 270 ألفاً و405 آلاف دولار).