يقولون من يستطيع قيادة سيارة في القاهرة يستطيع أن يقود سيارة في أيّ مكان من العالم. هذه تجربة شخصية تؤكد ذلك.
في أحد أيام سنة 1977، تعرّفت إلى المخرج المصري الراحل رأفت الميهي. كان قد وضع بعض أهم الأعمال السياسية ككاتب سيناريو، من بينها «الهارب»، و«على من نطلق الرصاص»، و«أين عقلي». لم يكن بدأ مرحلة الإخراج بعد، هذه المرحلة وردت في عام 1981 عندما حقق «عيون لا تنام»، من بطولة مديحة كامل، وأحمد زكي، وفريد شوقي.
كان يسكن في حي مصر الجديدة. زرته في منزله، وتحدثنا، وكان استقباله لي ودّياً، تناولنا خلاله أعماله ككاتب سيناريو، وإذا ما كان يفضل نقل أعمال روائية مكتوبة وتحويلها إلى سيناريوهات، أو كتابة سيناريوهات أصلية. تحدثنا كذلك عن وضع السينما المصرية ككل، في فترة كانت تنضح بالتجارب الشابة، وتعيش نبض السينما البديلة التي كان هو أحد قوّامها من الكتّاب، إلى جانب بشير الديك، وفايز غالي، وعدد محدود آخر.
بعد الحديث، أبديت رغبتي في العودة إلى فندقي الصغير في الزمالك، فعرض عليّ أن يوصلني، وقبلت.
ركبت معه سيارته الصغيرة التي كانت من نوع «سيات»، (تنويعة على فيات)، وتحرّك بها فإذا بها تعاند، كما لو أنها ما زالت مربوطة بسلاسل. سألته ما المشكلة؟ قال: «مش عارف. يمكن حاجة في الموتور».
بعدما توقفت تماماً عند مستديرة مزدحمة بالسيارات، نزلنا منها، وأوقف رأفت سائق تاكسي، وسأله إذا ما كان يعرف «كراجاً». «خليني أشوف مالها الأول»، قال له السائق. فتح الغطاء وعاين ما تحته، ثم نظر إلى داخل السيارة، ووجد أن الميهي لم يحل المكبح اليدوي ما أدى إلى مشكلة في الموتور.
سألنا السائق من كان يقودها. قال له الميهي إنه السائق. نظر إليّ سائق التاكسي، وسألني: «تعرف تسوق؟». أجبته بنعم، فقال: «خذ سيارتيّ ولفّ بيها الميدان عبال ما ارجع. أعرف واحد شاطر هنا حيصلّحها، إن شاء الله».
امتثلت. ركبت سيارة التاكسي، وأخذت أطوف بها حول المستديرة. مرّة ومّرتين، وعشراً. فوجئت بوجود زبائن على الطريق يحاولون إيقافي. لا استجب لأحد طبعاً. بعد قليل أحد الزبائن كاد أن يرمي نفسه أمام السيارة، وصاح: «وقّف طلّعني. أنا صاحب السيارة».
لم أكن حفظت ملامح وجهه، أو هيئته ككل. أوقفت السيارة، ونزلت وطلع هو. «افتكرتك زبون»، قال: «معلش، حصل خير»، قلت له «أنا رايح الزمالك، توصلني؟».
قال: «طبعاً. اتفضّل». على الطريق قال لي إن سيارة الميهي قديمة جدّاً، وقد لا تصلح لأكثر من مشوارين، أو ثلاثة، إذا لم ينسَ حل المكبح اليدوي.