14 أكتوبر 2025

إنعام كجه جي تكتب: غرفة الطفولة

صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس

مجلة كل الأسرة

هذه ممثلة فرنسية صاعدة مثل عشرات غيرها تقدمهنّ لنا الشاشة كل عام. اسمها مالوري فانيك، وقد اخترتها لأكتب عنها بعد أن قرأت لها مقابلة في إحدى المجلات. سؤال واحد لفت نظري، هو: ما الذي ستفعلينه بعد هذه المقابلة؟ أجابت: «سأعود إلى بيت الأسرة في شمال فرنسا، وهو ما أفعله كل أسبوعين، لكي أنام في غرفة طفولتي، وأتمتع بالأطباق اللذيذة لوالدتي، وأرى شقيقاتي».

من منا، نحن الذين كبرنا وغادرنا حضن العائلة، سافرنا، واغتربنا، والتحقنا بجامعات في الخارج، أو تزوجنا، وصارت لنا بيوتنا الخاصة... من منّا لا يحب العودة للاستلقاء على فراش الطفولة؟

تروي مالوري أنها لا تحتمل رؤية حيوان يتعرض للأذى، وسوء المعاملة. فهي نشأت محاطة بكلاب منزلية أليفة. تحتفظ والدتها بسبعة كلاب، ولوالدها اثنان. وكانت هناك، أيضاً، في منزل العائلة، قطط، وزواحف، وسناجب، وأفراس النبي. إنها على العكس مني تماماً. فأنا ما زلت أخشى الحيوانات، وأتجمّد مثل تمثال من الحجر حين يجمعني مصعد العمارة مع جار بمرافقة كلبه، حتى لو كان الكلب في حجم قبضة يد. لكنني أشبه مالوي حين تقول إنها «شمسية» تكره الوحدة، وتسعى لأن تكون محاطة بالآخرين، وتجتهد لإسعادهم. وهي كانت دائماً شعاع شمس في عائلتها، تتكلم بصوت عالٍ، وتنشر الضحكات حولها.

أؤمن بأن هناك بشراً ترابيّين، أو مائيين، أو هوائيين، وأنا من الشمسيين. ولا أدري هل للأمر علاقة ببرج الميلاد، أم هي جينات في الخلايا. لكنني، كما يقول عدوية: أحب الناس الحلوة اللي بتضحك على طول. هذا على الرغم أن الضحك صار عسيراً، وقلوب العرب مهمومة.

مجلة كل الأسرة

لا تخجل من القول إنها لم تكن تحب الدراسة، وكانت كثيرة التغيّب. مع هذا، فقد لاحظها أحدهم وهي خارجة من المدرسة، واعترض طريقها، وعرض عليها العمل ممثلة. اكتشف الجمهور مالوري قبل سنتين، حين ظهرت في فيلم بعنوان «الأسوأ». تلك كانت بدايتها الحقيقية. وهي اليوم تعود بفيلم جديد من أفلام المطاردات تؤدي فيه دور شابة تمضي مع والدها الصحفي للتحقيق في جريمة قتل، واكتشف القاتل. هل يصلح وجهها الملائكي لهذا النوع من الأفلام؟

يسألونها في المقابلة عمّا تقوله لنفسها في الصباح حين تنظر إلى وجهها في المرآة؟ وتجيب: «أرى وجهي منتفخاً، لكنني أعرف أنني جاهزة فوراً للعمل طوال النهار. لا أحب النوم، وأظن أنه وقت يضيع خلال الليل. ولهذا، فأنا مستعدة ومبرمجة للعمل حال طلوع النهار».

أشعر بأن لهذه الممثلة مستقبلاً مشرقاً مثلها. وهي نفسها تشعر بالزهو حين تتطلع إلى ما حققته من نجاح في فترة قصيرة. هل يحدث أن تكذب؟ نعم، كذبات صغيرة حين يسألونها عن فيلم فتقول رأيها فيه، على الرغم من أنها لم تكن قد شاهدته. وتعترف بأن أفلاماً شهيرة فاتتها، لكنها تخطط دائماً لرؤيتها على شاشة ما.

حين قبضت أول أجر لها أخذت شقيقاتها في رحلة إلى مصر. الصغرى في السادسة عشرة، وكانت المرة الأولى التي تركب فيها الطائرة وتسافر خارج فرنسا. تتفرج البنات على الأهرام، والنيل، وخان الخليلي، ثم يسرعن في العودة إلى منزل العائلة، وغرفة الطفولة. تلك هي هناءة العيش.