18 سبتمبر 2025

الفنانة التشكيلية كريستل بشارة: دخول لوحاتي عالم العملات الرقمية غيرّ مسار حياتي الفنية

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

من مدينة جبيل في لبنان إلى دبي، رحلة فنية تنبض فيها لوحاتها بذاكرة الطفولة، وهوية العصر. تعيش الفنانة التشكيلية كريستل بشارة في عالم تتقاطع فيه الفرشاة بالتكنولوجيا، واللوحة بالرمز الرقمي، حيث تعتبر من أوائل الفنانات العربيات اللواتي دخلن عالم الرموز غير القابلة للاستبدال (NFT)، أو (non -fungible token) واستطاعت أن تفتح أبواب العالم بلوحات رقمية.

ومن خلال الغوص في عوالمها، تعّد بشارة صوتاً تشكيلياً متفرداً، يمزج بين الأقمشة والأنماط، بين الطبيعة والذاكرة، وبين الحداثة والأصالة، ساعدها على ذلك نشأتها في بيت فني، حيث والدها فنان ونحات، كذلك تماسّها مع الطبيعة التي وثقتها بألوانها النابضة، مروراً برحلتها في دبي، وتحليقها في عوالم الـNFT والذكاء الاصطناعي.

في هذا اللقاء الخاص، نستطلع آفاق تجربة كريستل بشارة التشكيلية، وأعمالها التي تجمع بين ثلاثية بصرية، وهي الألوان، الرموز والأقمشة، وفضاءاتها التفاعلية الحيّة، حيث تنسج من الفن عالماً من التناقضات الجميلة:

مجلة كل الأسرة

كيف أسهم دعم الأهل في مسيرتك الفنية؟

والدي الراحل كان فناناً سريالياً ونحّاتاً، وأعتقد أنني ورثت عنه هذه الموهبة. فمنذ صغري، أتيحت لي فرص التعبير عن نفسي، وخوض التجربة بكل أنواع الفنون، وهذا الدعم شكّل الأساس لمسيرتي الفنية، وحجر الزاوية في مساري وشغفي. فالدعم العائلي كان البذرة التي رسّخت في أعماقي الثقة والاستمرارية، ومع الوقت، أدركت أن الفن وسيلة تواصل، مع الذات والعالم.

نشأت في تنورين، تلك الضيعة المتخمة بالجمال الطبيعي، كيف انعكس ذلك على أعمالك الفنية؟

تنورين هي بلدتي الأم، وكنا نزورها دوماً، في الصيف والأعياد، وما زلت أستلهم منها الكثير، حتى اليوم. أما طفولتي، فقد قضيتها في جبيل (بيبلوس)، المدينة الغنية بالتاريخ والثقافة. فقد تركت الطبيعة المتوسطية، بجمالها بين البحر والجبال، أثراً عميقاً في مخيّلتي، وهذا المزيج بين العراقة، والطبيعة الخلّابة، والحياة القريبة من البحر، و«الصيفيات» الحالمة في تنورين، كلها شكّلت مصدر إلهام دائم يظهر في ألواني، وتفاصيل لوحاتي. ومن خلال هذا المزج بين العراقة والجمال الطبيعي، صنعت هويتي البصرية التي تزاوج بين الذاكرة والمعاصرة.

دبي منحتني الكثير من الفرص لعرض أعمالي والانفتاح على أسواق فنية متنوعة

تعلّمت تقنيات الرسم والتصميم في دبي، كيف أثرت هذه التجربة في تطوير أسلوبك الخاص؟

دبي علّمتني التفكير بطريقة عالمية، بحيث ساعدني مزيج الثقافات والانفتاح الموجود هنا، على أن أطوّر أسلوبي الخاص، وأصقل تقنياتي، وأمزج بين الكلاسيكي والمعاصر، وأدرك أهمية الابتكار في كل عمل فني.

كما أن دبي منحتني الكثير من الفرص لعرض أعمالي، والانفتاح على أسواق فنية متنوّعة. الديناميكية والروح المتجدّدة في هذه المدينة دفعتني دائماً إلى التجديد والتجربة، ما ساعدني على بناء هوية فنية، واضحة ومتميّزة.

مجلة كل الأسرة

تزاوجين بين حبكِ للأقمشة وأنماط الرسم والألوان في لوحاتك، كيف توفقين بين هذه العناصر؟

أعتبر كل لوحة كأنها قطعة قماش، أنسجها بالأنماط والألوان. وهناك دائماً حوار داخلي بين التفاصيل الدقيقة والانفجارات اللونية، وهذا التوازن هو الذي يصنع هويتي البصرية، وهو توازن سردي يعكس تناقضات العالم، وفرادة الإنسان. أنا مؤمنة بأن عالمنا مملوء بالتناقضات، وهذه التناقضات بالذات هي ما تجعله مميزاً وجميلاً. أحب أن أسرد قصصاً من خلال هذا التلاعب بين التباين والانسجام، لأنه يعبّر عن فرادتنا، كأفراد وكبشر.

كيف تجسدين أفكارك ومشاعرك عبر أعمالك الفنية، وهل تترجم لوحاتك أمزجتك النفسية؟

الرسم هو طريقتي في التواصل مع العالم، هو لغتي الخاصة للوصول إلى الآخرين، ومشاركة قصصي ومشاعري. أترجم أفكاري وأحاسيسي إلى ألوان وأنماط تحكي رحلتي الداخلية. كل لوحة هي انعكاس لحالة شعورية، أو فكرة أعيشها، أحياناً تكون فرحاً، وأحياناً شوقاً، أو تأملاً. لوحاتي تعبّر عن مزاجي النفسي بصدق وعفوية، وتسمح لي بأن أكون حاضرة مع الآخرين بطريقتي الخاصة.

مجلة كل الأسرة

كنتِ من أوائل الفنانات اللواتي بِعن لوحاتهنّ بالعملة الرقمية، كيف تقيّمين هذه التجربة اليوم؟

كانت تجربة رائعة، وغيّرت مسار حياتي الفنية. دخول عالم العملات الرقمية وNFT سمح لي بتوسيع جمهوري عالمياً، وأعطاني طريقة جديدة لصون أعمالي، وحفظ حقوقها. والأهم أن أعمالي الرقمية أصبحت تُقدَّر اليوم على نفس المستوى مع لوحاتي التقليدية، وأصبح بمقدور الجامعين امتلاك نسخ رقمية موثقة من فني بكل ثقة.

هل تؤمنين بأن الفن علاج، وهل ساعدك على تخطي تحدٍّ ما؟

نعم، أؤمن بذلك تماماً. خلال فترات صعبة في حياتي، كان الاستوديو هو ملجئي. ففي عزلة «كورونا»، تحوّل الاستوديو المنزلي إلى ملاذ نفسي، ومن رحم الأزمة تبدى الفن، ليس كوسيلة تعبير فقط، بل دواء حقيقي للروح.

فخلال جائحة كورونا، عندما اضطررنا إلى البقاء في المنزل، قمت بنقل الاستوديو إلى بيتي، وكان الرسم وسيلتي لإدارة هذه المرحلة الصعبة. من هذه التجربة، ولدت سلسلة «Psychomachia» التي تتناول الصراع الأبدي بين الخير والشر، وجسّدت فيها كل المشاعر والتحدّيات التي عشناها خلال تلك الفترة. الفن ساعدني على تحويل القلق والألم إلى طاقة إبداعية حقيقية.

تقولين إن الذكاء الاصطناعي لا بدّ منه، كيف تتعاملين مع دمج الذكاء الاصطناعي في فنك؟

أتعامل مع الذكاء الاصطناعي كأداة فقط، تساعدني على توسيع آفاقي الإبداعية، ودفع حدود بحثي الفني. أستخدم الذكاء الاصطناعي لاستكشاف أفكار جديدة، وتجربة اتجاهات مختلفة، لكنه لا يحل مكان اللمسة الإنسانية أبداً. أعتبره مثل مساعدي في الاستوديو، لا يتعب، ولا ينام، لكنّه في النهاية يبقى وسيلة لدعمي، بينما القلب، والروح الحقيقية للعمل تستقي مني.

عند مزج الخامات الرقمية مع أنماط الرسم التقليدي، كيف تحافظين على التوازن؟

المفتاح بالنسبة لي هو الصدق مع نفسي. أتعامل مع كل خامة بحب واحترام، وأحاول أن أوظف الأدوات الرقمية بطريقة تخدم الفكرة، من دون أن تضعف الجوهر الإنساني للعمل.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

ماذا عن آخر مشروع لك في المالديف؟

مشروعي الأخير في الإقامة الفنية في إنتركونتيننتال المالديف كان حلماً تحقق، أن أرسم وسط الجنة، وأن أغمر نفسي بهذا الجمال الطبيعي، والحياة البحرية الساحرة. خلال الإقامة، أنجزت عملاً بعنوان «الرقصة الصامتة»، حيث رسمت ثلاث أسماك مانتا راي، تدور فوق الشعاب المرجانية، مزجت فيه الطبيعة بالحلم. كما نظمت ورش عمل تأملية حصرية، أصبح فيها الضيوف جزءاً من التجربة، عبر إنهاء قطع فنية بأنفسهم، ليحصلوا على عمل فني، شخصي ومميّز.

وما الطموح الذي تسعين لتحقيقه في عالم الفن الرقمي؟

في المستقبل، هناك مشروع استوحيت معالمه من تجربة «Symphony of Shadows and Light» بالتعاون مع Kanvas، حيث يدخل الزوار غرفة غامرة تعيش رحلتي الإبداعية التي تمتد لأكثر من 15 سنة، وتخاطب كل حواسهم. أطمح إلى تطوير المزيد من التجارب التي تدمج بين الأعمال التقليدية والرقمية، بطريقة تتيح للناس امتلاكها كتركيب فنيّ حيّ ينبض بالحياة.