باتت الأغاني اليوم من أقرب الوسائل لإيصال الأفكار والقضايا إلى الشباب، خصوصاً عندما تأتي خفيفة الإيقاع، وقصيرة المدة، بما يتماشى مع روح العصر، وسرعة استهلاك المحتوى. ومن بين الأصوات الصاعدة التي وظفت هذا الشكل الفني لتوصيل رسائل اجتماعية هادفة، تبرز الفنانة إيفا ماضي، التي اختارت أن تجعل من موسيقاها منبراً للتعبير عن هموم جيلها، وتسليط الضوء على قضاياه، وعلى رأسها الانشغال المفرط بمظاهر الثراء، والانسياق وراء الصورة المثالية التي تروّج لها منصات التواصل الاجتماعي.
في حوارها مع كل الأسرة، تكشف إيفا ماضي عن تفاصيل أحدث أعمالها «الهيبة»، التي جاءت باللهجة المصرية، وبأسلوب يمزج بين الطابع الاجتماعي واللمسة العصرية الخفيفة، لتكون رسالة مباشرة إلى جيلها في زمن تغلب فيه الصورة على الجوهر:
يحمل الفيديو المصاحب لأغنيتك «الهيبة» رسالة اجتماعية جريئة، ما الفكرة الأساسية التي سعيتِ لإيصالها للجمهور؟
الفيديو كليب يقدّم رؤية سينمائية تكشف زيف الصورة التي تروّج لها منصات السوشيال ميديا، حيث يُعرض الثراء والمظاهر الفارهة، وكأنها الواقع الوحيد، بينما الحقيقة غالباً ما تكون مختلفة تماماً. أردت من خلال الأغنية أن أدعو الشباب إلى التوقف عن تصديق كل ما يُعرض على هذه المنصات، وأن أؤكد أهمية التمييز بين الحقيقة والوهم، بين الأصالة والتصنّع.
وبالنسبة لي، «الهيبة» ليست مجرّد عنوان لأغنية، بل هي دعوة لإعادة تعريف القوة والصدق في زمن طغت فيه الصورة على الجوهر. الرسالة التي أردت توصيلها بسيطة لكنها مؤثرة: ليس كل ما نراه لامعاً على الشاشات يعكس حياة حقيقية، والجرأة الحقيقية تكمن في الصدق مع النفس، ومع الآخرين.
كيف ترين أغنية «الهيبة» كخطوة جديدة في مسيرتك الفنية؟
ما يميّز «الهيبة» ليس مضمونها الفني فقط، بل أيضاً لكونها ثمرة تعاون جديد مع شركة SS Heliodor Australia، وبالشراكة مع Universal Music MENA. هذه الشراكات لم تمنحني الدعم الإنتاجي فقط، بل منحتني مساحة حقيقية للتعبير والتجريب، ما جعل كل عمل معها يحمل طابعاً خاصاً. كما أن هذه التجربة أكدت بالنسبة لي أن التنقل بين اللهجات أصبح جزءاً طبيعياً من مسيرتي الفنية، ما يعكس الانفتاح الثقافي الذي أسعى إليه. بدأت بـ«ساحر عيني» باللهجة المصرية، ثم «يا حبيبي» باللهجة الخليجية، واليوم أعود إلى اللهجة المصرية من جديد، في تأكيد على أنني أطمح إلى التواصل مع جمهور عربي واسع، ومتنوّع.
هذا التنوع لا يضيف بعداً موسيقياً للأعمال فقط، بل يفتح أمامي أبواباً جديدة للتجريب والابتكار، ويعزز قدرتي على مخاطبة مختلف الشرائح من المستمعين الذين يجدون أنفسهم في الأغنية، من حيث الموسيقى، أو المعنى.
إلى أيّ مدى تشعرين بأن الفن اليوم أصبح وسيلة للتعبير عن قضايا الجيل الرقمي والتناقضات التي يعيشها بين الواقع الافتراضي والحياة الحقيقية؟
الفن اليوم لم يعد مجرد وسيلة للترفيه، بل أصبح أداة مؤثرة، وصوتاً صادقاً يعكس قضايا الجيل «زد»، الذي يعيش في منطقة رمادية بين واقعين متناقضين: الحياة الحقيقية والواقع الافتراضي. هذا التداخل خلق ارتباكاً في الهوية والعلاقات، ما جعل الفن ضرورة لفهم هذه التحولات والتعبير عنها بصدق. فأنا أرى أن الأعمال الفنية التي تتناول هذه التناقضات لا تكتفي بطرح المشكلة، بل تسهم في بناء وعي نقدي جديد، يساعد الشباب على تجاوز السطحيات، والتعامل بوعي مع المحتوى الذي يستهلكونه يومياً. أشعر بمسؤولية كفنانة تجاه هذه القضايا، وأؤمن بأن الفن الحقيقي هو الذي يمسّ الناس، ويعبّر عن أسئلتهم وهمومهم، لا الذي يكتفي بالموسيقى والإيقاع فقط.
ما الذي ينتظره جمهورك بعد «الهيبة»، وهل سنشهد استمراراً لهذا الخط الفني الذي يمزج بين القضايا الاجتماعية والجرأة الفنية؟
ما بعد «الهيبة» يحمل الكثير من المفاجآت. لديّ مشاريع جديدة قيد التحضير ستستكمل هذا الخط الفني الذي يمزج بين الجرأة والموضوعات الاجتماعية. أحرص دائماً على أن تحمل أعمالي رسالة، وأن تكون انعكاساً لمرحلة يعيشها الجيل الحالي. أعتقد أن الفن مسؤولية بقدر ما هو شغف، لذلك سأواصل العمل على تقديم موسيقى مختلفة، تتجاوز مجرّد الإيقاع واللحن، لتكون صدى للقضايا الإنسانية والاجتماعية التي تهمّ الشباب اليوم. أسعى إلى أن تظل كل أغنية لي علامة فارقة، لا تكتفي بالتسلية، وإنما تترك أثراً حقيقياً في وجدان المستمع.