أثارت ظاهرة خلع الحجاب من قبل عدد من المؤثرات على مواقع التواصل الاجتماعي جدلاً واسعاً في الأوساط العربية، بين من يرى في الأمر تعبيراً عن حرية شخصية، ومن يعتبره تراجعاً عن قيم وثوابت دينية وثقافية.
فتحت هذه الخطوة، التي قامت بها وجوه بارزة عرف بعضها سابقاً بالالتزام، باب النقاش حول التغيرات التي تفرضها البيئة الرقمية والصورة النمطية للجمال في العصر الحديث. وبين التأييد والرفض لهذا السلوك، يتجدد السؤال: هل أصبح الحجاب مجرد مظهر اجتماعي قابل للتغيير تبعاً للموضة والضغوط؟ أم أنه لا يزال رمزاً لقناعة راسخة وإيمان داخلي لا تهزه موجات «الترند»؟
فقد فاجأت الشيف الأردنية المعروفة منال العالم جمهورها ومحبيها بظهورها دون حجاب خلال أحد اللقاءات الصحفية الأخيرة، في خطوة أثارت تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، بين من عبر عن دهشته أو تحفّظه، ومن أكد احترامه قرارها الشخصي.
منال العالم، التي بدأت شهرتها قبل أكثر من عقدين من الزمن كأحد أبرز الوجوه في برامج الطهي العربية، ارتبط اسمها دوماً بالمظهر المحتشم والحجاب الذي ظهرت به منذ انطلاقتها، ما جعلها رمزاً للمرأة العربية المحافظة الناجحة في مجالها. وقد شكّل ظهورها الجديد دون حجاب صدمة لكثير من متابعيها، خاصة أولئك الذين عبروا عن ارتباطهم بالصورة التي عرفوها بها لأول مرة.
أما الفنانة صابرين، فقد قررت بعد نجاحها في تجسيد شخصية أم كلثوم اعتزال التمثيل وارتداء الحجاب، مؤكدة أنها وجدت فيه وسيلة لتحقيق ذاتها دون إنكار تاريخها الفني. وفي عام 2019 نُشرت لها صور دون حجاب عبر «الإنستغرام» أثارت تفاعلاً واسعاً على مواقع التواصل، وقد عللت ذلك بأنها لا تعتبر نفسها محجبة بالكامل كونها تعتمد استخدام الشعر المستعار الذي تصفه بـ«الستايل» المفضل لإطلالاتها في بعض الأدوار.
كذلك الحال مع الفنانة حلا شيحة التي كانت قد ارتدت الحجاب واعتزلت الفن لسنوات طويلة، لتبتعد عن الأضواء وتعيش في كندا مع زوجها السابق الذي أنجبت منه أولادها الثلاثة، لتعود في عام 2006 للمجال الفني بالحجاب من خلال مشاركتها في إحدى الأفلام عام 2020، ثم تعود لتخلع الحجاب وتشارك في عمل فني. وفي عام 2021، أعلنت زواجها من الداعية معز مسعود وارتدت الحجاب مرةً أخرى، ثم عادت للظهور دون حجاب مرة ثانية قبل أن تنفصل عن زوجها منتصف عام 2023. وقبل أيام معدودة نشرت حلا صوراً لها وفيديوهات وهي ترتدي الحجاب مرة أخرى.
تكشف الدكتورة علياء الشحي، أخصائي اجتماعي أول في مؤسسة زايد العليا لأصحاب الهمم، أسباب هذا التحول، تقول: «لعبت البيئة الرقمية بتركيزها على الصورة والمظهر الخارجي ودخولها في صراع مع فلسفة الحجاب كرمز للستر والاتزان دوراً كبيراً في اتجاه بعض المؤثرات نحو خلع الحجاب، إضافة إلى الانفتاح على معايير الجمال التي يشهدها العالم من حولنا، كما دفع تفضيل بعض الشركات والعلامات التجارية التعاون مع غير المحجبات بعض المؤثرات إلى السعي للتماهي مع نماذج لا تنتمي بالضرورة إلى ثقافتهن حفاظاً على حضورهن».
وتضيف «رغم أن اعتبار بعض المؤثرات هذا القرار شخصياً نتيجة تحول داخلي في القناعات، إلا أن تبعاته تمتد إلى جمهورهن، وخاصة الفتيات الصغيرات اللاتي قد يشعرن بالارتباك والتشوش تجاه معنى الحجاب، أو يعتبرن أن خلعه يمكن أن يمنحهن القبول والمكانة، إضافة إلى الضغط الاجتماعي نتيجة الشعور بعدم مواكبتهن العصر والمحيط من حولهن. وهنا يجب أن تأخذ الأسرة والمؤسسات التربوية على عاتقها تعزيز ثقة هذه الفئة من المجتمع بأنفسهن، وتأكيد أن الحجاب ليس مجرد عادة، بل اختيار نابع من قناعة وإيمان».
من جانبه، يوضح الدكتور سيف الجابري، مأذون شرعي ومستشار أسري، «أن الحجاب فريضة شرعها الله لصون كرامة المرأة وحفظها، وكانت أولى دلائل رحمته تعالى على الإنسان أن ستر عورته، وحين وقعت المعصية الأولى في قصة نبينا آدم وزوجه حواء كانت أولى عقوباته تعالى عليهما أن كشفت عورتهما، ما يدل على أن الستر قيمة أصيلة في الفطرة الإنسانية». ويتابع «الحجاب ليس قيداً، بل حماية، وهو تكريم للمرأة المسلمة، وفريضة شرعية، لا يصح أن يختزل في نقاشات الموضة والترندات أو يفرغ من مضمونه بحجة التطور، فهو أمر رباني لا يقبل المساومة أو التأويل، وقد جاءت النصوص القرآنية في القرآن والسنة واضحة لتبيان هذا الحكم، حيث يقول الله تعالى في سورة النور (وَقُل لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا...)».