عندما وقفت الممثلة البريطانية على منصّة الأوسكار سنة 1978، لم يكن الحضور يتوقع منها غير ما يقوم به كل الفائزين، لكن هؤلاء فوجئوا بخطابها الناري تحية لفلسطين.
كان خطاب فانيسا ردغراف مفاجئاً للجميع، في تلك الليلة من ليالي الأوسكار. كانت شاركت جين فوندا، وهي بدورها ذات توجه سياسي يساري، البطولة في فيلم «جوليا». وبينما اكتفت فوندا بالكلمات المأثورة، موزّعة عبارات الثناء والشكر، خلفتها على المنصّة الممثلة البريطانية، داعية إلى تقديم الدعم للقضية الفلسطينية. كانت أشبه بطائرة ألقت حمولتها فوق المكان. لكن ردغراف أوصلت الكلمة من فوق أكبر منابر السينما، ومضت ومضت معها فكرة التعاون معها في أيّ فيلم أمريكي بعد ذلك.
قابلت الممثلة البريطانية فانيسا ردغراف مرّتين. الأولى في مطلع الثمانينيات، في منزل المخرجة الفلسطينية مي المصري، وزوجها اللبناني جان شمعون، والثانية عندما تمّت دعوتها لحضور مناسبة تمزج الفن بالسياسة (مع تغليب السياسة طبعاً)، جرت في بغداد بعد عامين، أو ثلاثة، من ذلك الخطاب الناري.
في المرّة الأولى شملت الدعوة عدداً كبيراً من الحضور. أغلبية المتواجدين كانوا من أقارب الزوجين، ومعارفهما. ولم تتح لي فرصة الحديث مع فانيسا، وربما لم أكن مستعداً لذلك، من زاوية أن المناسَبة ليست مناسِبة. استمعت إليها وهي تشيد بفيلم للزوجين اللذين كانا يعيشان في لندن، قبل عودتهما إلى لبنان. الفيلم كان عن الثورة الفلسطينية (هذا كل ما أذكره عنه الآن)، والممثلة أثنت عليه.
المرّة الثانية كانت مختلفة. جلست وفانيسا، التي تبلغ اليوم 88 سنة، في غرفة للضيوف في أحد الفنادق، وتحادثنا لنحو ثلث ساعة، قبل أن يصل المندوب الذي سينتقل بها إلى حضور مناسبة لم أدع إليها.
لم يكن اللقاء حواراً صحفياً بقدر ما كان حديثاً حول ما حدا بها لإلقاء كلمتها في حفل الأوسكار وتداعيات ذلك.. قالت:
«أعتقد أن على الممثل الذي يؤمن بالعدالة، أن يقول كلمته دائماً، وليس في مناسبة كبيرة كمناسبة الأوسكار فقط. وهذا ما كنت أفعله، وعندما أعلن عن فوزي قمت بواجبي، على الرغم من أنني كنت أعلم ردة الفعل المنتظرة. كيف لي ألا أعلم؟».
- ما كانت ردّة الفعل لدى جين فوندا؟ هل تحدثتما بعد الحفل عن هذا الموضوع؟
تحدّثنا عنه خلال التصوير. هي من أصحاب القضايا السياسية، ودورها في رفض الحرب الفيتنامية عكس ذلك طويلاً. لم أهدف خلال حديثنا حول هذا الموضوع لإقناعها بتبنّي موقفي مطلقاً بل لإطلاعها على رأيي في موضوع يستحق كذلك عنايتها.
تعرّضت فانيسا للمقاطعة بعد ذلك الحدث، سنوات عدّة. أول فيلم لها بعد «جوليا» كان إيطالياً بعنوان Sing Sing، تلاه الفيلم البريطاني The Bostonians سنة 1984 ولعشر سنوات، بعد ذلك قامت بالتمثيل في أفلام أوروبية فقط. هذا استمر إلى سنة 1994، عندما قام المخرج الأمريكي جيمس غراي، بإسناد دور رئيسي لها في فيلمه Little Odessa.. قالت:
«لم يؤذني قرار المقاطعة لأن العروض لم تتوقف. استمررت في التمثيل في أفلام بريطانية، وفرنسية، وإيطالية. طبعاً المقاطعة لم تكن علنية، أو رسمية، ولا يمكن لها أن تكون كذلك، وكنت أعلم السيطرة التي تقع هوليوود تحتها، لكني لم أحد عن قراري بإلقاء كلمتي، على الرغم من ذلك».
كانت صريحة، وكانت ذات موقف واضح، وهذا ما لم تجرؤ شخصية سينمائية على قوله من على المنصّة في شأن عربي، لا قبل ذلك، ولا بعده.