04 سبتمبر 2025

متحف التعليم في الشارقة.. منارة الماضي ورسالة الحاضر

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

حين نتأمل تاريخ التعليم في الإمارات، نجد أن المدارس لم تكن مجرد مبانٍ لتلقين العلم، بل كانت مراكز لصناعة التاريخ وصياغة هوية المجتمع. فهي، مثل الأفراد، تترك بصمتها في الأزمنة والعصور، وتشارك في بناء الأجيال وصناعة الوعي الوطني. ومن أبرز الشواهد على ذلك «المدرسة القاسمية» في الشارقة، التي تحولت اليوم إلى «متحف التعليم» ليبقى شاهداً على مسيرة امتدت منذ أوائل القرن العشرين وحتى نهضة الحاضر.

مجلة كل الأسرة
مجلة كل الأسرة

افتتاح متحف التعليم بالشارقة

 افتتح صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، مؤخراً، «متحف التعليم» في مقر «المدرسة القاسمية»، أول مدرسة نظامية في دولة الإمارات العربية المتحدة. حيث عرفت الشارقة التعليم النظامي في وقت مبكر مقارنة ببقية الإمارات. ففي مطلع القرن العشرين انتشر نظام الكتاتيب بجهود بعض التجار، إلى أن جاء عام 1953 ليشكل منعطفاً جديداً حين طلب حاكم الشارقة من حكومة الكويت إرسال بعثة تعليمية، فكانت «المدرسة القاسمية» التي اعتمدت المناهج الحديثة وبدأت أولى خطواتها في بيت ابن كامل بالشارقة القديمة.

مجلة كل الأسرة

تعليم البنات خطوة رائدة

يشمل المتحف وثائق وصوراً تعود لعام 1954، حين افتتحت حكومة الشارقة أول صفوف البنات النظامية في المدرسة القاسمية، متقدمة بخمس سنوات على بقية الإمارات. ومع انتقال المدرسة إلى مبنى جديد عام 1955، تحول المقر القديم إلى «مدرسة الزهراء» للبنات، في دلالة على وعي الشارقة المبكر بأهمية تعليم الإناث.

مجلة كل الأسرة

دعم خليجي وتوسع مستمر

لم تقتصر المدرسة القاسمية على دعم الكويت فحسب، بل امتد التعاون إلى قطر التي أضافت فصلين جديدين عام 1957 على نفقتها. ومع مرور السنوات توسعت المدرسة تدريجياً حتى صارت تضم أكثر من 20 غرفة دراسية. ومن الجدير بالذكر أن معظم الخريجات المواطنات الجامعيات في السبعينيات كنّ من الشارقة، ما يؤكد ريادتها التعليمية.

مجلة كل الأسرة

المناهج والدور الوطني

شملت مناهج المدرسة القاسمية مواد متكاملة في الدين واللغة والرياضيات والعلوم والفنون والرياضة. وبجهود معلميها، أُضيفت دروس عن جغرافيّة وتاريخ الإمارات بجانب المناهج العربية. ولم يكن دورها مقتصراً على التعليم، بل كانت منبراً وطنياً؛ فقد شارك طلابها في المظاهرات ضد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، ورفضوا رفع العلم البريطاني في مهرجانها السنوي، ليغدو موقفها رمزاً للوعي القومي في المنطقة.

مجلة كل الأسرة

علاقة وثيقة بالمجتمع

المدرسة القاسمية لم تكن مجرد مدرسة منغلقة، بل فضاءٌ مفتوحٌ للتفاعل مع الأهالي، فكان المعلمون يتواصلون مع أولياء الأمور ويعرفون أوضاع كل طالب، مما عزز ثقة المجتمع بالمدرسة على الرغم من بعض الاعتراضات الأولية على اختلافها عن نظام الكتاتيب التقليدي.

مجلة كل الأسرة

مدرسة صنعت القادة

خرّجت المدرسة القاسمية جيلاً من الرواد الذين تولوا مناصب قيادية بارزة في الدولة. ومن أبرز طلابها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة، إلى جانب الشيخ أحمد بن سلطان القاسمي، والشيخ سعود بن سلطان القاسمي، والشيخ سالم بن سلطان القاسمي، إضافة إلى شخصيات من أسر إماراتية معروفة مثل المدفع والغرير والفطيم والعويس وغيرهم.

مجلة كل الأسرة

المتحف اليوم.. ذاكرة نابضة

تحولت المدرسة اليوم إلى «متحف التعليم» الذي يضم معارض متكاملة تروي بدايات «مدرسة الإصلاح القاسمية» في الأربعينيات، وتغير اسمها لاحقاً إلى «المدرسة القاسمية». كما يستعرض المتحف تطور التعليم بين 1951 و1956، وانطلاق تعليم الإناث، إضافة إلى أدوات وكتب ومناهج تلك الفترة. ويضم أيضاً «غرفة التعلم» المخصصة للورش التعليمية التفاعلية التي تجذب الأجيال الجديدة.

مجلة كل الأسرة

منارة خالدة

«متحف التعليم» ليس مجرد مبنى تاريخي، بل منارة خالدة تعكس إرث الشارقة التربوي والثقافي، وتجسّد رحلة جيل حمل مشاعل العلم والوطنية. وما زالت هذه المشاعل مضيئة حتى اليوم، في ظل رؤية حاكم الشارقة الذي يعيد عبر هذا المتحف إحياء الذاكرة الوطنية، ويؤكد أن التعليم كان وسيبقى أساس النهضة الحضارية.