لم يكن انتقال الشيف فلاديمير تشيستياكوف، مؤسس مطعم «ألبا»، من ميدان الصحافة إلى منصات الطهو مجرد تغيير مهني تقليدي، بل كان تحولاً جذرياً في وسيلة التعبير. فمن السرد بالكلمات إلى الإبداع بالمذاقات، اختار أن يروي القصص بطريقة أشهى، وأن ينقل التجارب لا على الورق، بل في أطباق تلامس الحواس وتثير الفضول، ليصبح خلال سنوات قليلة من ألمع الطهاة في روسيا..
في حوارنا معه، يكشف تشيستياكوف كيف كانت رحلاته في هذا المجال، وأين وجد إلهامه، وكيف يرى أن في كل طبق يعده فرصة لقول شيء جديد:
من الصحافة إلى المطبخ.. ما الذي دفعك إلى هذا التحول الكبير في مسيرتك المهنية؟
لطالما شكلت قوة السرد جوهر اهتمامي، ووجدت في الصحافة مجالاً لصقل مهاراتي في الملاحظة، والتحليل، ونقل التجاربن بعمق ودقة. لكن مع الوقت، أدركت أن رغبتي لا تتوقف عند وصف التجربة فحسب، لذلك قررت الانتقال من تغطية القصص إلى ابتكارها، مستبدلاً السكين بالقلم، ودخلت عالم الطهو بشغف الصحفي، ولكن بعين الطاهي.
خلال ثلاث سنوات أصبحت من ألمع الطهاة في روسيا، كيف تمكنت من تحقيق هذا التميّز اللافت؟
لا أؤمن بالطرق المختصرة، أو الأسرار الخفية للنجاح، كل ما في الأمر هو فضول لا يهدأ، وانضباط صارم، وفريق مدهش يحيطني بدعم لا يقدّر بثمن. لم يكن الرضا يوماً جزءاً من قاموسي، فهناك دائماً خطوة تالية، فكرة أفضل، أو تفصيلة تحتاج إلى تحسين. هذا السعي المستمر نحو الإتقان هو الوقود الحقيقي لمسيرتي، سواء كان على مستوى التقنية، أو الفكرة، أو التنفيذ.
حصلت على جوائز وتكريمات عدّة منها ميشلان، كيف انعكس ذلك على رحلتك في العمل؟
الجوائز هي بمثابة تكريم مجزٍ، لكنها في الوقت ذاته ترفع سقف التحدّي. على الصعيد الشخصي، تمثل لي دليلاً ملموساً على أن كل ساعات السهر، والمخاطرات المدروسة، والقرارات الصعبة التي اتخذت في المطبخ، لم تذهب سدى. أما على المستوى المهني، فهي تفتح أبواباً من التعاونات العالمية، واستقطاب مواهب لامعة، وبناء علاقة ثقة متينة مع الضيوف. ومع ذلك، فإن القيمة الحقيقية لهذه الجوائز لا تكمن في البريق الخارجي، بل في الأثر العميق الذي تتركه في مسار التجربة والطموح.
من أين استلهمت أسلوبك الخاص الذي يجمع بين مذاقات عالمية مختلفة؟
بصورة طبيعية وغير مخططة، تشكلت فلسفتي في الطهو من نسيج التجربة الحية، عبر ترحالي الطويل، ولحظات الإخفاق، وومضات الإلهام التي كانت تنير طريقي في أكثر اللحظات هدوءاً. نشأت في سيبيريا التي تمزج ثقافياً وجغرافياً بين الشرق والغرب، حيث تشكلت ذائقتي التي لم تتوقف عند مزج الثقافات، بل عملت على إعادة صياغتها لتوازن بين الرّقي والبساطة، والجرأة والاعتدال، فالطهو بالنسبة لي فن لا يقتصر على مزج النكهات فحسب، بل مسرح لابتكار شيء جديد كلياً من خلال التباين الذكي والملهِم.
ما الذي يميّز مطعم «ألبا».. وما هو الشيء الذي تشعر بأنه يمثلك أكثر من غيره؟
يجسد «ألبا» روح التجريب والشفافية المطلقة. لا يوجد جدار يفصل المطبخ عن قاعة الطعام، فكل زاوية مكشوفة، وكل تفصيله مرئية. هذا الانفتاح هو ما يصوغ طاقة المكان، إيقاعه الحيوي، وأجواءه الفريدة. نحن لا نتوارى خلف واجهات مصطنعة، بل نقدم فن الطهو أمام أعين ضيوفنا الكرام. في النهاية هو نهج يرتكز على نقاء النكهة، ودقة التفاصيل، والانضباط الذاتي.