منى المنصوري: أعددت "سوشي الجشيد" بالتوابل الإماراتية ورسالتي إيصال مطبخنا للعالم
أثبتت حضورها رغم التحديات، وانتقلت من رتبة «الكومي» في المطبخ إلى أن تكون الشيف التنفيذي في فندق فيرمونت باب البحر بأبو ظبي، حيث حققت الشيف منى المنصوري اسماً مدوياً بتعزيز هوية المطبخ الإماراتي عالمياً وتثبيت بعض أطباقه على لائحة بعض الفنادق من فئة الخمس نجوم.
تزاوج مسيرتها بين المسارين التعليمي والعملي ولا تقف عند هذا الحد حيث ما زالت تحلم بافتتاح أكاديمية للطبخ، ولكن الحلم الأكبر هو الارتقاء بمسارها لإيصال المطبخ الإماراتي إلى العالم.
كيف استطعت تغيير الصورة النمطية للطاهي الإماراتي؟
كان خوض المجال عبر مبادرة من حكومة رأس الخيمة لتعزيز وجود العنصر النسائي الإماراتي في قطاع السياحة والضيافة، وبالأخص كطهاة حيث درسنا مع طاقم تدريس أمريكي وبريطاني من الجامعة الأمريكية في إمارة رأس الخيمة ومعهد ماكوين البريطاني المتخصص في مجال الضيافة وفنون الطبخ على مستوى العالم. بعد التخرج بنحو سنتين، بلغ عدد المشاركات اللواتي استكملن هذا المسار نحو 12 من أصل 200 امرأة شاركن في المبادرة، وذلك بسبب طبيعة العمل الشاقة في مجال المطبخ ولكونه مجالاً يتطلب منك أن تحارب لتصل لأنه أشبه بـ«خلية نحل». فداخل المطبخ عالم كبير، والجهد في دراسة هذا التخصص يوازي الجهد في باقي التخصصات، وهذا الجهد هو الذي يقود الطاهي إلى إرساء مكانة له في هذا المجال.
كيف كانت مسيرتك وكيف تخطيت الصعاب؟
مسيرتي كانت أشبه بالسلك العسكري، فبدأت من الصفر برتبة «الكومي» أدنى رتبة في المطبخ ووصلت إلى رتبة الكومي 3 والكومي 2 إلى أن أصبحت الشيف التنفيذي، وهي الرتبة الأعلى، بفضل جهود سنوات عملت فيها في أكثر من فندق وحاربت وواجهت صعوبات كثيرة لتعزيز استمراريتي وتحقيق رؤيتي التي لا تقتصر على أن أكون طاهية فقط، بل أن أوصل الهوية الإماراتية للمطبخ بكل إمكاناتي.
تقولين إن المطبخ عالم كبير، ما هي العوالم التي أطللت عليها؟
في المطبخ، لا تقتصر الخبرة على ما تتعلمه، بل كيفية توظيف كل إمكاناتك ومهاراتك في المكان. ما لفتني في المطبخ هو التماس مع الكثير من الجنسيات، كما أنه عالم في تطور وتجدد مستمرين وهناك تقنيات جديدة ومعدات جديدة تدخل على خط هذا التطور.
ما لفتني أيضاً هو أن آباءنا وأمهاتنا كانوا على دراية ببعض «التكنيكات» في الطهو، بعيداً عن البعد الأكاديمي. فعلى سبيل المثال، كان أجدادنا يعدون «البثيثة» عند انتقالهم من العين إلى الفجيرة بواسطة الجمال، دون أن يطرأ عليها أي تغيير في الطعم أو تلف لعدة شهور، بحيث تزودهم بالطاقة على مدى المسير الذي يقطعونه لمسافات طويلة ورغم الحرارة الشديدة. فأجدادنا كانوا طهاة عالميين دون أن يعرفوا، وكوننا طهاة إماراتيين من المهم أن ننقل هذه الأفكار للعالم ومدى توظيف آبائنا لاستراتيجيات الطهو في أطباقهم، بعيداً عن الدراسة الأكاديمية.
وغالباً ما يسألونني عن عدم فتح مطعم خاص بي رغم أني أتمتع بخبرة كبيرة في هذا المجال، لكني أرى أني أحتاج كامرأة إماراتية إلى «التثقف» أكثر من هذا العالم وتعزيز خبراتي. لم «أشبع» من هذا العالم ولو أني أعلم وأقيم دورات، فهذا المجال واسع وبحاجة دائمة إلى تماس مع آخر المستجدات فيه.
نعرف أن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد أثنى على مسيرتك؟
نعم، كان ذلك في الاجتماعات السنوية لحكومة الإمارات، عندما قال لي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، «أنا سمعت عنك وأعرف أخبارك كلها»، وعبر عن فخره بي، ما حفزني على إكمال مسيرتي عبر دورات وإنجازات ومسابقات عالمية مثلت فيها الدولة وحزت ميداليات ودخلت المدارس الحكومية للبنات تطوعاً وغيرت مفهوم التربية الأسرية القديم بمفهوم أكاديمي متطور بحيث يتعزز حب البنات للمطبخ ولكن بالمعايير العالمية التي تعلمتها. ومؤخراً، فزت بالمركز الأول في جائزة «نافس» على مستوى الدولة، وبجائزة أفضل موظف إماراتي يعمل في القطاع المهني، وهذا وسام شرف كبير بالنسبة لي.
ما أبرز بصماتك في مجال تعزيز الهوية الإماراتية؟
المطبخ عالم كبير محفوف بالتحديات ويحتاج إلى جهد كباقي التخصصات ومواكبة «التكنيكات» والمعدات الحديثة كما ذكرت سابقاً. فالشيف ليس مهنة عادية ولا ترتكز على الطبخ فقط. عرفت بأطباق إماراتية مثل الجشيد والخبيصة واستطعت تثبيت بعضها في «مينيو» فنادق الخمس نجوم منها اللقيمات، مجبوس الروبيان، مع إعدادها بالطريقة التقليدية وتقديمها بطريقة حديثة كوننا نحتاج إلى أن يطلع العالم على مطبخنا الإماراتي. كما استوحيت معكرونة الطيبين من موروثنا الإماراتي، وهي تتميز بنكهة التوابل الإماراتية وبالبساطة في طريقة إعدادها دون إضافة أي لحوم إليها، ولكن في المطعم نضيف لها اللحم أو الروبيان، مع نكهة الصلصة والبهارات الإماراتية.
وعلى سبيل المثال، يشهد «مجبوس الروبيان» إقبالاً كبيراً من قبل المواطنين الذين يرغبون بتذوق الأطباق الإماراتية وكذلك الجنسيات الأخرى، وأنا تعمدت عدم تغيير الطريقة التقليدية في الطهو، ولكن الإضافة اقتصرت على الطريقة الجديدة في التقديم.
أعيد وأؤكد أننا نحتاج إلى اطلاع العالم على مطبخنا الإماراتي، ففي «السوشي كافيه» في الفندق وبعد أن انخرطت في دورات حول إعداد السوشي وبعد أن «لفيت العالم» في التعرف إلى المطابخ الأخرى أكاديمياً، أعددت «سوشي الجشيد» بالتوابل الإماراتية والكزبرة والليمون الأسود الذي يعطي طعماً استثنائياً مع الأرز الأبيض.
ما المطبخ الذي تفضلينه؟
أحب المطبخين الإيطالي والهندي ولكني مستمرة ومتمسكة بالمطبخ الإماراتي لأننا نحتاج لأن نبرز مطبخنا إلى الواجهة، تجسيداً لرؤية أحاول إثباتها وهي قدرة الشباب الإماراتي على أن يكون متواجداً في كل المجالات. ففي هذا المجال، نقلت تجربتي بمفهوم عالمي كامرأة إماراتية تعمل في المطبخ وغيرت الفكرة النمطية للمجتمع لكون الشيف هي مهنة غير سهلة ولا يمكن تسمية أي أحد بـ «الشيف» لأن هذه التسمية تسبقها مراحل من الدراسة والتدريب والخبرة ومواجهة الكثير من التحديات.
ما المواقف التي صادفتك؟
عادة ما أذكر أحد المواقف مع سائح ألماني سألني عما أفعله وأنا أرتدي زي الطهاة مع علم إماراتي يزين الزي، وسؤاله نتاج صورة نمطية تؤطر الشباب الإماراتي في صورة «الشاب المدلل» لكون دولتنا توفر لنا كل شيء، فأجبته «أنا من قام بطهو الأطباق اليوم» ليتعزز تساؤله: لماذا تحتاجين إلى الوظيفة؟ فاستقبلت سؤاله بتفهم حيث شرحت له الوضع القائم ودحضت الصورة النمطية للبعض عن الشباب الإماراتي وأفهمته أن «دولتي فتحت لي مجالات التعليم والوصول إلى هذا المستوى، وأنا بدوري أرد الجميل للدولة وأعمل لإثبات نفسي في هذا المجال كما الكثير من الشباب الإماراتي الذين اقتحموا مجالات كثيرة من الزراعة إلى الضيافة والفضاء وغيرها».
هذا الموقف يعود إلى العام 2014 حيث غيرت هذا المفهوم لدى السائح الألماني الذي لم يزل على تواصل معي ويؤكد أن هذه الرؤية نقلها إلى المجتمع الألماني بكون الشباب الإماراتي هو عنصراً مشاركاً ورئيسياً في نهضة دولته.
ما زلت تحلمين بأكاديمية للطبخ؟
لم يزل حلم إنشاء أكاديمية للطبخ يراودني وتردني عروض بسيطة حول إمكانية إقامة معهد للطبخ وغيره، وهذا ما لا أريده.
فما أركز عليه هو إقامة أكاديمية تتوافر فيها كل الجوانب الأكاديمية وبحيث يدخل هذا التخصص في جامعاتنا ويكون معترفاً به كأي تخصص آخر كونه يعزز قطاع الضيافة في الدولة، وعلى أمل أن تسمعني إحدى الشخصيات الكبيرة في الدولة لمساعدتي على تحقيق هذا الحلم، ونحتاج أن تكون الدولة هي الداعم الأساسي لهذا الحلم. كما أعمل على إعداد كتاب منذ عامين، وهو كتاب طبخ يغير الكثير من المفاهيم حيث أدرج الأبعاد الأكاديمية في المطبخ من «مسكة السكين» الصحيحة وطرق تقطيع الخضار وأسمائها وغيرها الكثير من الأساسيات الأكاديمية التي تعلمتها. داخل المطبخ، هناك منهج كامل ولغة كاملة للتخاطب بين الطهاة وعلم كبير داخل أروقة المطبخ بينها درجة حرارة الثلاجة، لوحات التقطيع وألوانها، والعديد من التفاصيل التي تغيب عن الفرد العادي.
برأيك، هل سيؤثر الذكاء الاصطناعي في مجالك؟
من المهم أن يأخذ الذكاء الاصطناعي جزءاً من عملنا. فأنا أستفيد من الذكاء الاصطناعي ومن الاستدامة أيضاً. كطاهية، يجب دراسة كل الجوانب بحيث نركز على الاستدامة في المطبخ، وقد تم الاستغناء عن البلاستيك واستبدلناها بالأكياس الورقية ونهتم بـ «إعادة التدوير» وبكل الجوانب المتعلقة بالحفاظ على البيئة لنكون في مسار منسجم مع أهداف العالم في هذا السياق.
رسالتي للأمهات أن يهتممن بنوعية غذاء أبنائهن وإعداد الطعام في المنزل لأن هذا يؤثر إيجاباً فيهم
ما رسالتك للأمهات بالتوازي مع الموسم الدراسي؟
أنا أرى أن كل الأطباق التي يتم تناولها في المطاعم لدى الأمهات القدرة على إعدادها منزلياً وبالمعايير نفسها، ولكن من المهم دراسة مسبقة لكيفية إعداد هذا الطبق والتقنيات المرافقة له، ومن السهل الإلمام بها.
كما أن الأجهزة ومعدات الطبخ باتت متوافرة بين أيدي الأمهات، وهي تسهل عليهن الكثير من الخطوات وتختصر الوقت والجهد، والأفضل أن يكون الطبق صناعة منزلية بعيداً عن المواد الحافظة، ومع دراية كاملة بجودة مكونات الأطباق المنزلية ومعايير النظافة بحيث نرفع نوعية الطعام في منازلنا ونواكب سعي الدولة إلى أن نكون بصحة جيدة للمساهمة في الوصول إلى المراتب الأولى في كل المجالات.
وصفات ذات صلة:
- كبدة الدجاج بدبس الرمان... من الشيف منى المنصوري
- شرمب بروفنسال.. من الشيف منى المنصوري
- سلطة الكيل والكينوا.. من الشيف منى المنصوري
- مجبوس الروبيان.. من الشيف منى المنصوري
- كيكة الحليب بالزعفران.. من الشيف منى المنصوري
* تصوير: السيد رمضان