24 نوفمبر 2025

أزياء مهرجان «تنوير»... طقس روحي ينسج علاقة بين الإنسان والمكان

محررة في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

في مهرجان «تنوير»، حيث تتداخل الأصوات مع الصمت، والضوء مع الرمل، تستيقظ حواس الزوّار على تجربة تجمع الروح بالطبيعة. وفي هذا المهرجان، لا يكون اختيار الأزياء أمراً ثانوياً، أو مجرد مظهر خارجي، بل يتحوّل إلى طقس من طقوس الاندماج مع المكان، وإلى لغة خاصة للتعبير عن الذات، وإلى جسر يؤسس علاقة بين الإنسان والصحراء الشاسعة. فالمشاركون يدركون أن اللباس ليس قطعة تُرتدى فحسب، بل رمز يحمل في طيّاته معنى الانتماء، وتوقاً إلى التأمل، ورغبة في التماهي مع هدوء الرمال، وصفاء السماء.

مجلة كل الأسرة

وتبرز أهمية تحضير الملابس كخطوة تُظهر مدى استعداد الشخص لعيش التجربة بكاملها، فالأقمشة الخفيفة، والألوان المستوحاة من الطبيعة، والقصّات المريحة، جميعها تسهم في تعزيز الشعور بالحرية والانطلاق. كما أنّ اختيار الأزياء المناسبة يجعل المشارِكات أقرب إلى الإحساس باللحظة، وأكثر قدرة على التفاعل مع الموسيقى، والضوء الذي ينعكس على الكثبان، ومع الفلسفة العميقة التي يحملها المهرجان: العودة إلى الذات عبر الطبيعة.

مجلة كل الأسرة

من جهته، قال أحمد، الذي يعمل في مجال الأزياء، إن فريقه صمّم أزياء خاصة للمهرجان بروح تعكس هدوء الصحراء، وعمق التأمل فيها. وأوضح أن القطع تحمل حروفاً وكلمات مستوحاة من معاني الاندماج مع الطبيعة، وأنها صُممت واسعة وفضفاضة، وبطابع إسلامي ينسجم مع هوية المهرجان ورسالته. وأضاف أن الهدف هو أن يشعر الزائر بأن ما يرتديه جزء من التجربة، لا مجرّد لباس.

مجلة كل الأسرة

وفي حديث مع عدد من النساء حضرن المهرجان، بدت الأزياء بالنسبة لهنّ نافذة تعكس شخصياتهنّ بقدر ما تعكس روح المكان. فقد اختارت هنا البونو توجهاً مختلفاً: «اخترت فستاناً برتقالياً عليه رسومات الشمس. أردت أن أشعر بأنني قطعة من هذا المكان، جزء من الضوء الذي يتسلل مع الغروب. اللون البرتقالي يمنحني دفئاً خاصاً، كأنني أتوهّج مع الرمال في لحظة صمت وتأمل، كما يعكس الفستان الثقافات العربية بشكل عام، ويبرز جمال طبيعتنا».

مجلة كل الأسرة

وأوضحت جالينا: «اخترت ثوباً أبيض فضفاضاً، لأن اللون الأبيض يمنحني إحساساً بالنقاء والانطلاق، ولأنه يشبه اتساع الصحراء. شعرت بأنه لا بد من لباس ينسجم مع هدوء الرمال، ويمنح جسدي حرية الحركة. أردت شيئاً يعكس هويتي الهادئة، ولكنه أيضاً يتناغم مع هوية المكان».

مجلة كل الأسرة

أمّا رانيا موسى فقد اختارت اللباس «القبائلي الجزائري»: «هذا اللباس يحمل ألوان أهل الصحراء، ورموزهم. أردت أن أجلب معي شيئاً من الثقافة القبائلية، وأن أضعه في فضاء مفتوح تتّحد فيه الثقافات. للزيّ القبائلي دلالات عميقة في التراث، وعندما ارتديته شعرت بأنني أقدّم تحية للصحراء التي طالما كانت مصدر إلهام لأهلها».

مجلة كل الأسرة

أما نغم فركّزت على عنصر واحد هام في الزي: القبعة، وبينت «القبعة ليست مجرّد حماية من الشمس، بل هي جزء أساسي من هوية الزيّ الصحراوي. تعود جذورها إلى «الكاوبوي» الأمريكي الذي عاش في الصحراء، وابتكرها كرفيق يومي. وفي «تنوير» أدركت أن القبّعة تكمل الروح الحرّة للتجربة، وتجعلني أبدو كأنني أسير بين زمانين: القديم والجديد».

مجلة كل الأسرة

وأخيراً، ذهبت شمسة البلوشي نحو روح خيالية شاعرية «أحببت أن أبدو كأنني من زمن جميل يليق بالمهرجان. اخترت عباءة ملوّنة بلون السماء، عليها رسومات للأرض والطبيعة، ونسّقت معها قبّعة أميرات رقيقة. أردت أن أكون امتداداً للمشهد كله: السماء، الأرض، والموسيقى التي تجمعهما».

مجلة كل الأسرة

وهكذا، يصبح اختيار الملابس في «مهرجان تنوير» أكثر من مجرّد ذوق شخصي؛ إنه فعل روحي، وجزء من رحلة اكتشاف الذات. فالأزياء ليست زينة، بل لغة تكشف تفاعلاً عميقاً بين الإنسان والصحراء، وتبرهن أن الجمال الحقيقي هو ذلك الذي يُعبّر عن الانتماء للمكان وللنفس، في آن واحد.