منذ أن أطلقت السيدة أم كلثوم صرختها الشهيرة: «أعطني حريتي أطلق يديّا»، تجدّدت الرغبة في الانعتاق، لا لدى النساء فحسب، بل حتى لدى الملايين من الرجال. الاستعباد لا يفرق بين ذكر وأنثى، وهو يأخذ أشكالاً متنوعة.
كتب القصيدة الشاعر المصري إبراهيم ناجي. وجاءت كلماتها تعبيراً عن مشاعر أنثى أنهكها الحب والهجران. فهل تكون المطالبة بإطلاق اليدين مقصورة على قيود السجن، والأغلال الثقيلة التي تكبّل البشر، أطرافاً، وجسداً، وروحاً؟
خطر السؤال على بالي وأنا أتابع ما يقدمه التلفزيون من تغطيات لأسبوع باريس للموضة. هناك تركيز كبير من مصممي الأزياء على الأحزمة الكثيرة التي تطوّق خصور النساء. أحزمة عريضة، ومتشابكة، وثقيلة، من الجلود والسلاسل المعدنية، والخيوط المجدولة التي تتدلى منها ميداليات وخزعبلات كثيرة. لم يعد الوسط حراً، بل محكوماً بأذواق المصممين الرجال.
لن ألقي باللوم في تقييد النساء على الرجال وحدهم. المرأة أيضاً تحب القلائد، وتعشق الأساور، وتثقب أذنيها من أجل الأقراط، وتحبس أناملها في الخواتم. إنها ليست موضة عصرنا الحالي، بل هي رغبات عميقة في التاريخ، نراها منقوشة على الآثار السومرية والفرعونية، منذ قديم الزمان. والعنق الجميل هو ذاك الذي تحيط به دوائر من القلائد الذهبية، والفصوص الثمينة، أو حتى من الأحجار.
أما المعصمان، والرسغان، والعضدان، فإنها كلها متاحة لكل أنواع الزينة. أساور، ومعاضد، وحجول، وزناديّات، وخلاخل، وصفها الشاعر بأن رنينها كفيل بأن يقيم زلزالاً. لذلك صار من المعهود أن تنتشر دكاكين بيع «المخشلات»، حسب تسمية القدماء، بحيث باتت تتمركز في باحات المراكز التجارية وتنافس محال الساعات.
ويفيد تقرير منشور في مجلة نسائية فرنسية، بأن الأحزمة التي كانت منتشرة في مطلع القرن الجاري، عادت لتستميل أذواق الشبيبة، أو ما يسمى بجيل «Z». وقد ارتفع الطلب عليها خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، بمعدل 91 في المئة. تذهب الفتيات إلى خزائن الأمهات والجدات للبحث عن نطاق قديم يشدّ الخصر من دون رحمة. وسعيدة الحظ هي من تعثر على مبتغاها. فإذا كان الحزام يحمل توقيع مصمم معروف فإن الفرحة تصبح فرحتين. وطبعاً، فإن الأساور في معاصم الأولاد لم تعد مستهجنة، ولا دليلاً على التخنث، بل على مسايرة العصر.
سؤال: لماذا تفرح الشابات بالأساور، وهي في نهاية المطاف قيود؟
جواب: لأنها من اختيارهنّ، ومفتاحها لديهنّ، وليست مفروضة عليهنّ من متسلط يحفظ المفتاح في جيب عميق.