يتأرجح الحديث عن الرجل الإيجابي بين التوقعات الاجتماعية والواقع القائم، ويرتكز هذا المفهوم على رحلة وعي وتصالح الرجل مع نفسه، وعائلته، ومجتمعه.
وفي ظل الضغوطات القائمة، باتت الحاجة إلى «الرجل الإيجابي» ضرورة، وبالأخص مع ارتفاع نسب الطلاق وسيادة مفهوم «الرجل غير المسؤول» حيث نتلمس أهمية مفهوم «الرجل الإيجابي»، ووجوده الداعم داخل الأسرة، في رحلة وعي واتزان يسعى فيها الرجل ليكون حاضراً، صادقاً، ومتصالحاً، مع ذاته وأسرته.
في هذا الصدد، تتحدث كوتش التواصل الفعال بلقيس فوزي، عن الرجل الإيجابي، وعن دور الأسرة في دعمه ودوره في دعم الأسرة، وكيف يمكنه أن يكون قدوة إيجابية لأبنائه، وشريكاً حقيقياً في بناء بيت يسوده الوعي والسكينة.
وتعّرف الرجل الإيجابي بكونه «من يملك الشجاعة للاعتراف بالضعف من دون أن يفقد احترامه لنفسه، يسعى للتوازن بين الإنجاز الخارجي والاحتياج الداخلي، وسط واقع يربط قيمته غالباً بقدراته المادية».
بيد أن واقع اليوم يضع أمام الرجل تحدّيات كثيرة تجعله يعيش صراعاً داخليا، ومن هذه التحدّيات التي سبق وأشارت إليها:
- عدم قبوله الظهور بمظهر الضعف أمام الآخرين.
- الصورة المجتمعية التي تربط قيمته بقدرته المادية فقط.
هذه التحدّيات لا تمنع الرجل من أن يكون إيجابياً، تعقّب الكوتش بلقيس «يبدأ التحول نحو الإيجابية عندما يختار الرجل أن يكون نفسه، لا ما ينتظر منه أن يكونه»، وتوضح: «الرجل يحتاج إلى من يفهمه ويحتويه، وحين يشعر الرجل بأن مشاعره لن تُستخدم ضده، يبدأ بالانفتاح والتواصل بصدق. وهنا يأتي دور الزوجة الواعية التي تعرف أن الدعم لا يعني السيطرة، بل التقدير».
دور شريكة الحياة في دعم «الرجل الإيجابي»
في هذا السياق، يبرز دور الشريكة في دعم «الرجل الإيجابي»، وفي التعبير عن مشاعره، عبر طرق فعالة تستعرض بلقيس بعضها:
- الإصغاء من دون نقد أو مقارنة.
- تقدير مبادراته في التواصل، مهما كانت، بسيطة أو فاشلة.
- استخدام لغة تشاركية مثل: «دعنا نفكر مع بعض» بدل «أنت دائماً تفعل كذا».
- الاحتفاء بجهوده بدل التركيز على تقصيره.
هذه الإيجابية تطّل على أن يعيد الرجل تواصله مع أبنائه ليكون قدوة إيجابية، لكون «الأبوّة الإيجابية لا تقوم على السيطرة، بل تقوم على القدوة، والأب الذي يشارك أبناءه حقيقته، مشاعره، وتجربته الإنسانية، يعلّمهم أن القوة لا تعني الغضب، وأن الرجولة ليست في غياب العاطفة».
ثمة خطوات عملية تساعد الرجل على تجديد علاقته بأبنائه، وهي:
- التركيز في الحاضر.
- تخصيص وقت نوعي مع أبنائه، بحضور كامل.
- تعبيره عن الحب والفخر بشكل مباشر وواضح.
- الاعتذار عند الخطأ، ليغرس فيهم معنى التواضع والمسؤولية.
- تخصيص طقوس أسبوعية صغيرة (نزهة، لعبة، نقاش، طبخة مشتركة).
وتشرح بلقيس :«بهذه الممارسات، يتحوّل الأب من «منفذ للأوامر» إلى قدوة حقيقية تبني في أبنائه الوعي والثقة».
ولكن لا بد من التوازن لتحقيق أسرة مستقرة. فكيف يوازن الرجل بين دوره المهني والأسري ليكون شريكاً فاعلاً في بناء أسرة سعيدة؟
تلفت فوزي إلى أن «التوازن ليس في الوقت فحسب، بل في النية والحضور».
وتستعيد تجربة شخصية عن والدها، رحمه الله، قائلة: «كان والدي يقضي معنا أوقاتاً كانت كفيلة بأن تجعله بطلاً وقدوة في عيوننا. وعلى الرغم من أنّه كان يمضي معظم وقته في العمل، لكنه كان يقضي معنا وقتاً نوعياً عند إعادتنا من المدرسة، ويخصّص لنا نهاية الأسبوع، أو في العطلات، للذهاب إلى البحر، وكان حاضراً معنا بكل جوارحه».
وتعقب: «وحتى عند انشغاله، كان يردّ مباشرة على الهاتف عند الاتصال به، حتى لو كان في اجتماع هام، هذه السلوكات كانت تعتبر رسائل حب بالنسبة لنا، حول كوننا هامّين في حياته، ووقوفه الدائم إلى جانبنا، على الرغم من كل تحدّيات الحياة ومتطلباتها، وانشغاله في عمله من أجلنا».
الرجل يحتاج إلى من يفهمه ويحتويه... والزوجة الواعية تعرف أن الدعم يوازي التقدير
فالرجل الذي يعيش حياة متوازنة هو من يعطي لكل دور أفضل ما عنده، تقول بلقيس، متوقفة عند استراتيجيات التوازن، وتشمل:
1- تحديد أولويات واضحة بين العمل والبيت.
2- ممارسة نشاط أسبوعي يحافظ على طاقته.
3- إشراك الأسرة في بعض قراراته وشؤونه، ليشعروا بأنهم جزء من رحلته.
4- إدارة طاقته ليبدأ يومه بما يغذيه ذهنياً وروحياً.
وتوصي بلقيس كل رجل بالدعوة إلى أن يكون «الحاضر والداعم والشريك». وتوجز كوتش التواصل الفعال: «حين يرى الرجل نفسه شريكاً حقيقياً في بناء البيت، يتحول حضوره إلى مصدر أمان وازدهار نفسي للأسرة بأكملها، والرجل الإيجابي هو نتاج رحلة وعي ونضج، بدأت عندما كنا في بيوت أهالينا قبل أن نكوّن أسرتنا الخاصة، وبقدر ما يتوازن الرجل من الداخل، تتوازن الأسرة من حوله، فهو الأساس ومصدر القوة والأمان».
اقرأ أيضاً:
- كيف أصبح دبلوماسياً في علاقتي الزوجية؟
- لماذا يرفض الرجل الشرقي مساعدة زوجته على أعمال المنزل؟ وما الحل؟
