يُعد تفاوت مستوى الوعي بين الزوجين أحد أخطر التحدّيات الخفية التي تهدّد استقرار الحياة الزوجية، والذي ربما يبدأ بشكل غير ملحوظ، في السنوات الأولى، لكنه مع مرور الوقت يمكن أن يتحول إلى أزمة عميقة تنخر العلاقة، وتدفعها تدريجياً نحو الانهيار.
تصف المستشارة الأسرية والمرشدة التربوية والمجتمعية همسة يونس، الفجوة في مستوى الوعي بين الزوجين بأنها من أكثر التحدّيات الخفية التي تواجه الحياة الزوجية، والتي قد لا يلتفت إليها الكثيرون في بدايات الزواج، لكنها مع مرور الوقت تتحول إلى أزمة صامتة تفتك بالعلاقة، وتضعها على حافة الانفصال.
تقول «الفجوة في الوعي لا تعني أن أحد الطرفين أفضل من الآخر بشكل مطلق، وإنما تعكس مدى قدرة كل شخص على فهم ذاته، وشريكه، وإدراك متطلبات الحياة الزوجية، والتكيّف مع تغيّراتها. فعندما يتفاوت الوعي بين الزوجين، تصبح العلاقة غير متوازنة، ويشعر الطرف الأكثر وعياً بأنه يتحمل العبء الأكبر في استمرارها».
توضح همسة «التفاوت في مستوى الوعي قد يحدث من جانب الرجل، أو المرأة، لكن المشكلة تصبح أكثر تعقيداً عندما تكون الزوجة هي الطرف الأكثر وعياً ونضجاً، ففي هذه الحالة تشعر المرأة بأن الدور الذي كانت تنتظره من زوجها، كسند وقائد، غائب، فتتولد لديها مشاعر خيبة، وأحياناً خذلان، لأنها بطبيعتها تتوقع أن يكون الرجل هو الأكثر وعياً والقادر على قيادة الأسرة برشد، وهذا الغياب لا يقتصر على الجانب النفسي، بل ينعكس على تفاصيل الحياة اليومية، خصوصاً عند حدوث الخلافات. فبينما تميل الزوجة الأكثر وعياً إلى الحوار والبحث عن حلول وسطية، يلجأ الزوج الأقل وعياً إلى التجاهل، أو فرض السلطة، أو الانفعال والغضب، ويتحول الخلاف البسيط إلى معركة إرادات تزيد من الفجوة بينهما، وتضعف العلاقة».
وتكشف همسة يونس أن «من مظاهر فجوة الوعي بين الزوجين، بقاء أحد الطرفين عالقاً عند ذكريات البدايات المملوءة بالمشاعر الرومانسية، فيكثر من التذمر والتذكير بها، من دون يدرك أن الحياة الزوجية تمرّ بمراحل متجدّدة، تتطلب وعياً وتكيفاً. فالزوجة التي لا تطوّر وعيها ترى في انشغال زوجها بالعمل، أو التزاماته الأسرية، نوعاً من الإهمال المتعمد، بينما الزوجة الواعية تدرك أن هذه التحولات طبيعية، وتتعامل معها بمرونة ووعي». تضيف «كما تظهر الفجوة في الوعي عند إدارة المشاعر، والشريك الواعي يحاول مراقبة ردود أفعال شريكه، وفهم جذورها، بينما يظل الطرف الأقل وعياً أسيراً لانفعالاته غير المدروسة. فكل إنسان يحمل في داخله جروحاً قديمة، مرتبطة بالطفولة، أو تجارب سابقة، تظهر بشكل أوضح في العلاقة الزوجية، وبينما يحاول الطرف الواعي تحويلها إلى فرصة للنمو والتصالح مع الذات، يقوم الطرف الأقل وعياً بتفريغها في شكل صراعات وصدامات داخل العلاقة».
كما توضح همسة طرق تعامل كلٍ من الطرفين، الأكثر والأقل وعياً، مع الفجوة «بدافع المسؤولية أحياناً، يعمل الطرف الأكثر وعياً على رفع شريكه ومساعدته بوعي وخطة، أو يسقط في فخ التعالي، أو البحث عن بدائل خارج العلاقة، عندما يشعر بأنه أرقى من شريكه، بينما يساعد البعض شريكه بدافع الذنب، بسبب تعلقه المرضي خوفاً من فقدانه، وهنا هو يقوم بإرهاق نفسه نفسياً. على الجانب الآخر، يرى الطرف الأقل وعياً شريكه «معقداً أو مبالغاً»، فيتمسك بموقف «تقبلني كما أنا»، ويرفض أيّ تجديد في العلاقة. والسبب في ذلك غالباً، ناجم عن خوف داخلي من فقدان الأمان، لكنه في النهاية يؤدي إلى صدامات، وخلافات متكررة، تجعل العلاقة في حالة من الجمود». وتكمل «مع مرور الوقت، يشعر الطرف الواعي بوحدة فكرية وعاطفية، لأنه الوحيد الذي يبذل جهداً لتطوير العلاقة. لكن عندما ييأس يبدأ بالانسحاب، أو بالصمت، ليقع الطرفان في فخ «الطلاق الصامت»، حيث يغيب الحوار وتنطفئ المشاركة، فتبدو العلاقة في ظاهرها مستقرة، لكنها في العمق تعاني تراكمات، تشعر الطرف الأكثر وعياً بوحدة روحية تدفعه لاتخاذ قرار الانفصال، حتى لو لم يكن هناك خلافات ظاهرية».
رغم خطورة الفجوة، ترى المستشارة الأسرية أنها يمكن أن تتحول إلى فرصة للنمو، إذا أديرت بوعي، وحب، وصبر، من خلال توصيات عدّة: