14 أكتوبر 2025

الغيرة القاتلة بين الزوجين... سيف يسلط على الأعناق وغالباً ما تنتهي بالطلاق

رئيس قسم الشباب في مجلة كل الأسرة

مجلة كل الأسرة

سواء أكانت غيرة بسيطة تدل على مشاعر التعلّق، والمودة، والحب، أم كانت مرَضية يرافقها الشك، وعدم الثقة والشعور بالأمان، تبقى الغيرة في العلاقات الزوجية مصدر قلق وتوتر، وقد تتجلى في محاولة أحد الشريكين السيطرة على الآخر، وتقييد حريته.

وإذا كانت الغيرة الصحية مرآة للحب، فإنها إن لم تُلجم ستجنح حتماً نحو الهوَس، وقد تقود، مع الوقت، إلى العنف، وفقدان الاحترام، وإن لم توضع لها الحدود في الوقت المناسب، فقد تتحول إلى أداة خطرة تهدم الأسرة، وتقوّض أركانها.

وللتغلب على هذه النتائج المدمرة، لا بد من التواصل، وإعادة الثقة المتبادلة، والعلاج النفسي عند الحاجة، وإلا سينتهي الحب والزواج كما حدث مع الحالات التالية:

مجلة كل الأسرة

الحالة الأولى

تقول لبنى. ح: «أحببت أحمد، وكنت ما أزال في السادسة عشرة من عمري، حاربت الدنيا لأجله، وأصررت على الزواج منه، فتركت ورائي علمي، وشهاداتي، ورضا أهلي. أنجبت منه ثلاثة أبناء، وكنا نعيش جحيماً تسعرُّه غيرتي الشديدة عليه، كنت لا أرضى أن يكلم أيّ أنثى، حتى لو كانت من أفراد عائلته. وجاء اليوم الذي انفجر فيه أحمد كالبركان، وطلقني بكل برود، بعدما قال إنه لم يعد يتحمّلني. تركت خلفي أبنائي الذين رفض أن يعطيني إياهم. ولم يمض على طلاقي سوى ثلاث سنوات، حتى التقيت بحسام، تزوجنا، وانتقلت إلى العيش معه في قريته التي تبعد عن مدينتا. أنجبنا صبيين عاشا معنا في عذاب كان سببه غيرتي الشديدة على حسام. وانفصلنا. ثم بحثت عن الحب للمرة الثالثة، وتزوجت، ولكنني لم أنجب هذه المرة لأنني كنت قد تخطيت الأربعين. ولم تمض أشهر حتى هجرني زوجي الجديد، مع أنني حاولت جاهدة ألّا أغار... وها أنا اليوم أعيش وحيدة بلا أبناء وبلا زوج».

الحالة الثانية

باسم، أحب زوجته الثانية كثيراً، فقد ارتبط بها بعد طلاقه من زوجته الأولى التي خانته مع صديق له، كما يقول. أعطاها الكثير من الحب، ولأنها كانت جميلة جداً، فقد كان يغار عليها من نسمة الهواء، يراقب مكالماتها الهاتفية، يتبعها بالسيارة حيث تذهب، يتصل بها في مكان عملها مرّة كل عشر دقائق. لا يدعها تذهب إلى الطبيب بمفردها. يترك عمله كي يتفرغ لمراقبتها، والحضور فجأة إلى البيت في غير موعده المعتاد.

وفي أحد الأيام، جاء إلى البيت، فلم يجد زوجته، ووجد المنزل فارغاً من الأثاث والمشاعر. الزوجة توجهت إلى المحكمة، وطلبت الطلاق، لكنها لم تسلم من غيرته حتى بعد الانفصال، فقد ظلّ يراقبها، ويمنع عنها الزواج بادعاءات كاذبة، وافتراءات باطلة.

الغيرة الصحية

قد تكون لمسة الغيرة في الحياة الزوجية ردّ فعل طبيعياً وصحياً. وعندما لا تكون مرَضية، فإنها، حتى في مظاهرها البسيطة، لا تُضر بالضرورة بالعلاقة بين الزوجين. قد يكون سببها نظرة خاطفة يشعر معها أحد الشريكين بإعجاب الآخر بشخص ما، وإذا ظلت الغيرة ضمن هذه الحدود البسيطة فإنها تكون جزءاً لا يتجزأ من العلاقة، شرط أن تبقى في الخيال من دون تعليق، أو إفصاح.

مجلة كل الأسرة

الغيرة المرَضية

لكن الغيرة قد تكون عند بعض الأزواج مرَضية، وتتحول إلى وسواس وأسلوب حياة، كما حدث مع باسم ولبنى؛ تتبعٌ، ومراقبة مستمرة للنظرات، والكلام، والحركات، الأمر الذي يؤدي إلى إلى انعدام الأمان، وتأويل كل العلاقات مع الآخرين من خلال نظرة الشك والريبة.

اضطراب نفسي

عندما تصبح الغيرة مرَضية، ويرافقها سلوك كالذي حصل مع لبنى أو باسم، فإنها تدل على نقص مستمر في تقدير الذات، يصعب التعامل معه يومياً. فالشريك المصاب بمرض الغيرة والشك، يقارن نفسه دائماً بغيره، ويشعر بالتهديد. ويسبب هذا التقليل من قيمة الذات، الإرهاق النفسي الذي يُثقل كاهل العلاقة يومياً، خصوصا أن أيّ قدر من الكلمات، أو الاهتمام، لن يكفي لتخفيف هذا الألم الذي يحدثه الغيور في نفسه، وفي شريكه.

وعموماً، للغيرة أسباب متعدّدة، وهي في المقام الأول تعبير عن حالة نفسية لدى الشخص الغيور. وعلى الرغم من شيوعها، فإنها ليست بالضرورة شعوراً سلبياً، بل تُصبح كذلك عندما تصبح منهِكة، وخارجة عن السيطرة.

مجلة كل الأسرة

كيف تُبنى الثقة في شريك الحياة؟

تُبنى الثقة بين الشريكين تدريجياً، وهي تتطلب، غالباً، تطويراً ذاتياً. فقد يجد الشريك الغيور صعوبة في بناء هذه الثقة بسبب عيب نرجسي فيه، أو شعور بعدم الأمان.

ويلعب التواصل بين الزوجين دوراً أساسياً في علاج الغيرة المرضية. إذ من الهام التعبير عن المخاوف، وعدم الشعور بالأمان، من دون إلقاء اللوم على الشريك، وتركه يشعر بالذنب. كما يمكن اللجوء إلى أخصائي نفسي، في بعض الحالات التي لا يحلها الحوار بين الزوجين.